×
محافظة المدينة المنورة

المملكة تحصد جائزتين كبريين و 5 جوائز خاصة بأمريكا

صورة الخبر

في 12 أيّار (مايو) الجاري، شارك الأمين العام لـ«ناتو»، ينس ستولتنبرغ، في افتتاح الجزء الأوروبي من منظومة الدرع الصاروخية الأميركية في رومانيا. وفي اليوم التالي، ينظم (نظّم) احتفال مماثل في بولندا. وأعلن الناطق الرسمي باسم السفارة الأميركية في موسكو، وليام ستيفنز، «أن الغرض من نظام الدفاع الصاروخي في أوروبا هو تأمين الحماية الكاملة ضد التهديدات المتزايدة للصواريخ الباليستية». وشأن ستيفنز، يؤكد السياسيون والمسؤولون الأميركيون أنّ منظومة الدرع الصاروخية ليست موجهة ضد روسيا. ولكن عن أي تهديد باليستي يتكلمون، وما مصدره؟ إيران التي وقعت على صفقة ببلايين الدولارات مع شركات أوروبية وليس لديها أدنى رغبة، ناهيك بأنها لا تملك مثل هذه القدرة، في تنفيذ هجوم صاروخي على باريس؟ أم إسرائيل أو أوكرانيا التي بدأت تفقد السيطرة على البلاد؟ أم يقصدون روسيا؟ وفي الواقع، الدرع الصاروخية موجهة ضد روسيا من دون غيرها. وهذا الكلام لا ينقل وجهة نظر عسكرية بحتة. فأحدث الصواريخ الأميركية غير قادر على اعتراض أنظمة الصواريخ الروسية الحديثة مئة في المئة، وفي المستقبل المنظور (وبخاصة في ما يتعلق بالتطور التقني الذي تشهده صناعة الصواريخ في الاتحاد الروسي) تنتفي حظوظها (الصواريخ الأميركية) في اعتراض الصواريخ الروسية. وتتوسل أميركا بنظام الدفاع الصاروخي والتعزيز الشامل للقدرات «الأطلسية» الدفاعية على الحدود الشرقية، الى الضغط السياسي على موسكو، التي تلتزم في الآونة الأخيرة سياسة بالغة النشاط في أوروبا الشرقية. ويرى مدير قسم شؤون الحدّ من التسلح في معهد بروكينغز، ستيفن فايفر، أن انشغال الـ «ناتو» بحماية الأراضي في أوروبا يعود إلى «تعزيز القوات المسلحة الروسية، والضم غير الشرعي لشبه جزيرة القرم ودعم موسكو للانفصاليين المسلحين في شرق أوكرانيا». واليوم، تضطر واشنطن الى طمأنة أوروبا الشرقية المضطربة الأحوال، وإعلامها أنّها تضمن أمنها وتحميه. ولا تقتصر عناصر هذه الحماية على الدرع الصاروخية، بل تتجاوزها الى التعزيز الشامل للمرابطة العسكرية الأميركية في بولندا ودول البلطيق. ولكن تعزيز الجهة الشرقية لحلف شمال الأطلسي لن يحمي دول البلطيق من غزو روسي محتمل. ووفق تقديرات مؤسسة «راند» الأميركية، يحتاج الحلف الى ما لا يقل عن 7 ألوية لتأمين حماية دول البلطيق، وهو ما لا يملكه الحلف. لذا، فإن دور رفع عدد القوات «الأطلسية» في دول البلطيق هو نظير دور القوات الأميركية في كوريا الجنوبية: مقتل أي من هؤلاء الجنود إذا وقعت حرب مع روسيا يترتب عليه لا محالة تدخل الولايات المتحدة ودول الـ «ناتو» الأخرى في هذا الصراع، فهو نوع من ضمانة أمنية للتدخل الأميركي في مثل هذه الحرب. والى الدرع الصاروخية، ترسخ الولايات المتحدة البنية التحتية العسكرية للحلف في أوروبا لإحكام قبضتها على الدول الأوروبية. ومؤسسات منظمة حلف شمال الأطلسي هي جسر واشنطن الى موطئ قدم مهم للتأثير في قرارات السياسة الخارجية الاستراتيجية، ليس فقط في الدول الأعضاء في التحالف الأطلسي، ولكن كذلك في البلدان المرشحة لعضوية الحلف. وفي وقت ينتهج الحلف منحى نزاعياً، لا يسع موسكو العثور على لغة مشتركة معه. وعليه، لن تقابل أي خطوة لتطوير قدرات الحلف هذا بالانتقادات الروسية فحسب، بل ستجبه بتدابير روسية مضادة. لذا، لم تهدد موسكو بنشر قوات وأسلحة إضافية في منطقة كاليننغراد فحسب، ولم تستبعد الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة الهجومية الاستراتيجية. وهذا الانسحاب تقويض لأسس الاستقرار الاستراتيجي، مع كل ما يترتب على أمن الدولتين والمنطقة. ولن تنظر الدول الأوروبية بعين الرضا الى اهتزاز الاستقرار في القارة العجوز، وعليه ستتفاقم في أوروبا تدريجاً مشاعر الاستياء من السياسة الأميركية النزاعية مع روسيا، إذا التزم بوتين التواضع (على سبيل المثال في المسألة الأوكرانية) وامتنع عن الأعمال الاستفزازية، ما خلا الردّ بالمثل على الاستفزاز الأميركي. وعليه، قد تعود السياسات العدوانية «الأطلسية» على الكرملين بفائدة. ويقول ستيفن فايفر إنّ روسيا كانت تعد لتعزيز وجودها العسكري على الحدود الغربية. واليوم في الإمكان تسويغ خطوات الكرملين بالقول إنها ردّ على خطوات الولايات المتّحدة. وفي المتناول تخيل سيناريو مختلف: التعاون بين موسكو والحلف الأطلسي، عوض المواجهة بينهما. والسبيل الى مثل هذا التعاون هو معالجة الحلف أزمات حقيقية غير مختلقة من أجل حماية أوروبا من تهديدات محتملة. وحينها، يسع روسيا أن تساعد بروكسيل، وأن تساهم في مشروع الدفاع الصاروخي. وتقول الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا «اقترحنا عدداً من الخيارات لتسوية الوضع حول الدرع الصاروخية وكنّا على استعداد للتعاون عن كثب، وصولاً إلى ارساء بنية مضادة للصواريخ مشتركة مع حلف شمال الأطلسي قادرة على حماية أوروبا من تهديدات صاروخية محتملة من خارج المنطقة الأوروبية - الأطلسية». لكن مثل هذا التعاون يقتضي اعتراف الغرب بأنّ موسكو ليست مصدر تهديد ومشكلات، بل هي شريك على قدم المساواة وجزء لا يتجزأ من نظام الأمن الأوروبي. والى اليوم، لم يُقر بمكانة روسيا، ولا يتوقع مثل هذا الإقرار في المستقبل القريب. وعليه، تتطور العلاقة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي في إطار سيناريو النزاع.     * محلل سياسي، عن موقع «إكسبرت أونلاين» الروسي، 13/5/2016، إعداد علي شرف الدين