×
محافظة المنطقة الشرقية

أمانة العاصمة المقدسة تنظم معرض (الفيصل شاهد وشهيد)

صورة الخبر

يؤدي طغيان الصبغة الإعلامية على الأديب إلى تواري إنتاجه الإبداعي خلف ظهوره الإعلامي المتكرر، حتى إن عارفيه عن بعد، لا يعرفونه شاعراً أو قاصاً أو روائياً، وإنما يعرفونه إعلامياً. الشاعر الشاب مفرح الشقيقي أنموذج حي لطغيان "الإعلامية" على "الإبداعية"، فعلى الرغم من أنه شاعر ذو وسْمٍ تصويري خاص يعتمد على تكثيف الألوان اللغوية، إلا أن الذين يعرفون شعره وشاعريته هم الأقربون إليه وحسب، فيما الأباعد لا يعرفون عنه إلا أنه "حق التلفزيون"، أو "المقدِّم" بترقيق القاف. ومنذ قرأت – قبل سنوات - أول نصٍّ شعري للشقيقي، وأنا أهجس بالصورة الفنية عنده؛ لأنها تمنحني إحساساً بأن التصوير هو الهدف، دون أن تؤدي الصورة وظيفة يمكن القبض عليها، ولعل هذا ما أراده د. جابر عصفور حين ذكر أن من الوظائف الجديدة للصورة الشعريّة، المتعة الشكلية فقط. وعليه، فإنه يمكنني تصنيف الصورة الشعرية عند مفرح الشقيقي في نوع: الصورة الإمتاعية، وذلك – عندي – يُحسب لشاعريته لا عليها؛ لأن الإمتاع هو السبب الرئيس في الإقبال على القصيدة، والهدف الأهم بالنسبة إلى شاعر يعي أن تجربته الشعورية لن تصل، إذا لم تأت في هيئةٍ لغويةٍ ممتعةٍ وجاذبةٍ. في أكثر نصوص الشقيقي، أجده يعمد إلى حشد الصور الشعرية، حين يجمعها جمعاً انتقائياً من مصادر مختلفة: بعضها يفتح باباً واسعاً أمام الدراسات التناصية، لأن المصدر هو قراءاته في قصائد معاصرة نعرفها كما نعرف أبناءنا وبناتنا، أو هي أبناؤنا وبناتنا، وبعضها الآخر ذاته الشاعرة التي لا تنقص شاعريتها بسبب سهولة تحديد مصادر الاستمداد التصويري. الأهم من مصادر الصورة عند الشقيقي، أن الألوان فيها تتداخل وتتشبّع، حتى تلمع الألوان لمعاناً فسفورياً ظاهراً، فتصبح القصيدة شبيهة بلوحة يعود إليها فنانها مراتٍ ومرات، وفي كل عودة يصبغ اللونَ باللون نفسِه، لتسرَّ لوحتُه الناظرين الذين قد لا يرون فيها منظراً معلوماً يمكنهم تحديد هويته أو مكانه أو ما يرمز إليه، لكنها – برغم ذلك – تعجبهم، وتجبرهم على إطالة النظر إليها، مما يجعل الصورة الشعرية عند الشقيقي صورة إمتاعية بامتياز. الأنثى هي مدار الصورة الإمتاعية عند مفرح، لكنه يتخذ من عناصر الطبيعة رُسُلا إليها، فتتماوج الألوان والأضواء والطبيعيّات، ثم إن هذه المكوِّنات تشعر؛ فتحب وتحن، حتى تتجسد، أو تُشخص، في مثل قوله: تفرقتِ الشموعُ إذِ ابْتعدنا وظلّ الضوء يعشقنا سويَّا سننزف من حنين الأرض وعداً ونودع سرَّنا غيماً شقيّاً فالمعنى – في البيتين السابقين – مطروح أمام العابرين في الطرقات كلها، لكنه جاءنا عن طريق الصورة، فبات استخراجه "ممتعاً"، على الرغم من أن الوشيجة بين: المعنى، والصورة، وشيجة روحية خفية؛ ففراق الشموع يوحي بتفرق الحبيبين، أو أن الشموع هما، لكن الضوء الناجم عنهما باق على عشقه، ليبقى الوعد سراً مودعاً في غيمة شقية، ولا أحد يعلم كيف تحفظ الغيمة السرّ، وهي التي قد تهطل في أي وقت؟ ولماذا صارت شقية؟ وهل شقاؤها آت من ضرورة إتمام القافية، أم بسبب افتراق الحبيبين؟ وجود أسئلة منطقية مبنية على الصورة، يعني أنها صورة إمتاعية، جاءت لتحلية النص، وليصبح المعنى الظاهر خفياً، والخفاء من أسباب المتعة. لا بد أن أعود إلى نصوص مفرح بمقال آخر؛ لأن المساحة لا تكفي للنظر في أكثر من نص، فالتجليات تستدعي التجليات.