تواجه جماعة الإخوان المسلمين في هذه الفترة هجوماً من مختلف الاتجاهات، وربما يشكل ذلك فرصه للمراجعة عند الجماعة، والتي تشابه في حراكها الديني الاحتجاج التطهري البروستانتي الذي قاده مارتن لوثر في القرن السادس عشر، وما تبعه من ثورات دينيه وهجرات بشريه إلى أمريكا الشمالية، وما تبعه من متغيرات سياسيه في الثقافة الأنكلوساكونية، وفي العالم أجمع. كان موقف الحراك التطهري المسيحي مبنياً على الخروج على مرجعية الكنيسة التقليدية، وعلى نشر الفكر الديني الجديد في الشارع وبين الناس، وهو ما أحدث صراعاً طويل الأجل بين الكنيسة الدينية التقليدية والحركة التطهرية في الشارع، انتهى بانتصار الفكر التصحيحي اللوثري على المرجيعات الكنسية التقليدية، وكان من نتائجها ثورات سياسية واقتصادية، من أهمها اهتزاز العرش الإمبراطوري في بريطانيا، ونتج عن ذلك تطور في النظام السياسي للبلاد، لكن الصراع لاحقاً أخذ مساراً آخر، بينها وبين الحركات الليبرالية واليسارية، انتهى به المطاف إلى خروج دساتير تؤكد على مدنية الحياة السياسية بدون فئوية أو طبقيه على أساس ديني أو غيره . تعتمد الحركة التطهرية البرستانتية على التبشير بالأخلاق الدينية والتطهر من الآثام، والالتزام بالأوامر والنواهي الدينية، ويشابه ذلك ما أحدثته حركة الإخوان في المجتمع العربي، التي تقدم حسب رؤيتها صورة تصحيحية للمفاهيم التقليدية للمرجعيات الدينية، وتقدم نموذج عصري للإنسان المتدين، وتبشر بتعاليمها التصحيحية في المجتمعات العربية، وقد وصل الصراع بينها وبين المؤسسات التقليدية إلى مرحلة كسر العظم مبكراً، لكن شعبيتها في الشارع أبقت على حيويتها في المجتمع، ووصل الاختلاف بعد الربيع العربي إلى الاختلاف حول الدستور وفلسفة الدولة في مرحلة الديموقراطية. قد يكون صفة العصاة الذي استعملته في مقال سابق غير ملائم بالنسبة للبعض، لكنه يمثل على وجه التحديد رؤية التيار التطهري الصحوي الحالي لبقية المجتمع الذين يقفون ضد مشروعهم الصحوي، ويمارسون حياتهم بدون التزام بالأوامر الدينية، ويجب أن لا يُفهم اللفظ بصورة سلبية، لأنه يمثل الواقع، فالرافضون للتصور الإخواني التصيحي للدين هم عصاة حسب الرؤية التطهرية الجديدة، لأنهم يقفون ضد كلمة الله عز وجل، التي يعتقدون أنه يمثلونها، ويواجه التيار الديني التطهري كمشروع نهضوي، منافسون من عدة اتجاهات، منها المدارس الدينية التقليدية، والمرجعيات الدينية الرسمية، والسلطات التاريخية، ويأتي في مقدمتها المؤسسة الدينية السلفية، ومؤسسة الأزهر الأشعرية، والذين فقدوا بعضاً من نفوذهم بسبب المد الإخواني. بعبارة أخرى، تختلف الخصومة مع الإخوان المسلمين من بلد لآخر، ففي الخليج العربي تواجه الحكومات والمؤسسات الدينية الرسمية والتقليدية تيار الإخوان المسلمين بسبب تهديده للتركيبة الاجتماعية والمفاهيم الدينية التقليدية التي تساهم في حفظ الاستقرار السياسي، والتي تتصالح مع المرجعيات السياسية العليا، وتتم مواجهته من خلال الخيار الأمني، بينما في استطاعة بلدان الخليج وقف المد الإخواني التصحيحي من خلال التنمية ومحاربة الفساد واحترام الحريات والاستقرار الاقتصادي المبني على العدالة الاجتماعية، وأي تأخير عن ذلك يؤدي إلى زيادة شعبية التيار التطهري في شوارعها. في حين تقوم الخصومة في مصر وتونس والمغرب مع الإخوان على مبادئ أكثر تقدماِ، والسبب أن التركيبة السياسية في تلك البلدان تشمل تيارات ليبراليه ويساريه لها عمق ونفوذ واسع بين شعوبها، و لا تختلف هذه التيارات مع الفكر الإخواني حول حتمية التغيير والتطوير، لكنهم يرفضون تماماً أن تكون الدولة دينية، ويمانعون فكرة تجنيد السلطة والحكومة في نشر الفكرة الدينية، وتحويل المجتمع إلى مجتمع صحوي موجه بكامل طاقاته لخدمة نفس الفكرة ومحاربة الأثم والفجور. لذلك يدور الصراع في هذه البلدان حول مفاهيم الحريات والدستور، وكان ذلك واضحاً في الحوارات حول الدستور المصري الأخير، وهذا ما سيحصل في تونس في مرحلتها القادمة، فالخيار إما أن يكون دستوراً مدنياً خالصاً، و تكون الحريات الفكرية والإعلامية والشخصية مكفولة، وأن لا تدخل التفسيرات المذهبية في صياغة قوانين الدولة، ولا تتميز فئة عن أخرى على أساس ديني، أو يستمر الصراع الأهلي إلى أن يصل الجميع إلى اتفاق يؤكد على هذه المبادئ.