المواقف الأمريكية الأخيرة في المنطقة العربية، تدع حقا الحليم حيران. ولعل موقفها من المعضلة السورية أكثر هذه المواقف غرابة. فبين عشية وضحاها ذهبت تهديداتها بعمل عسكري -ولو محدود- ضد نظام الحكم العلوي في سورية، أدراج الرياح، ورضخت للمشروع الروسي الماكر القاضي بالاكتفاء بتدمير الأسلحة الكيماوية وكأن المشكلة كلها تتلخص في السلاح الكيماوي بغض النظر عن المجازر والمذابح وإهلاك الحرث والنسل، وتشريد ثلاثة أرباع الشعب السوري، وتغيير ديموغرافية الدولة التي بلغ تعداد أهل السنة فيها نسبة تصل إلى 90%، لتوطن الشيعة والعلويين والفرس على مرأى ومسمع من العالم كله. ومن المضحكات المبكيات مقولة ترددت أخيرًا عن أن أمريكا تحولت من همام مقدام، إلى متخاذل قمام، لأنها وضعت نفسها في موقع المسؤول عن التخلص من نفايات نظام الحكم العلوي في سورية حين تطوعت بتدمير مخزونات السلاح النووي على متن سفينة حربية أمريكية، بعد أن رفضت كل الدول أن يدمر هذا السلاح على أراضيها أو في مياهها الإقليمية وما أصعب أن يوكل دور كهذا إلى دولة عظمى، أو هي الدولة الأعظم كما تسمي نفسها بينما ترفضه دول أصغر منها بكثير. ومن مواقفها المستغربة كذلك مد يدها إلى عدوها التقليدي الفارسي، متناسية كل ما سببه لها من إزعاج وإذلال خلال ما يقرب من أربعة عقود مرت على ما يسمى بالثورة الخمينية بدءًا بقضية الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران وانتهاءً بضرب إيران عرض الحائط بكل التهديدات الأمريكية المتعلقة بتجاربها النووية التي ستفضي لا محالة إلى صنع قنبلة يظن البعض أنها تهدد إسرائيل وأمريكا، وهي في الواقع لا تهدد إلا العرب دون غيرهم، وتحديدًا السنّة منهم، فهذه القنبلة قنبلة صفوية ليس إلا، تخدم مصالح أمريكا قبل غيرها لأنها ستكون مدعاة لها لابتزاز العرب، ومحاولة نهب ثرواتهم وإعادتهم إلى حالة اللاسلم واللاحرب. لذلك يقف البيت الأبيض اليوم بكل قوته في وجه أي عقوبات جديدة يحاول الكونجرس فرضها على إيران، وهذا هو الموقف الحقيقي من إيران الذي تتبناه أمريكا منذ عقود، ولكنها لم تكن لتجرؤ أن تعلن عنه. أما اليوم، وفي ظل تداعيات ما يسمى بالربيع العربي، وفي ظل سعيها المحموم للحفاظ على نظام الحكم العلوي في سوريا فإنها لا تجد حرجًا في أن تعلن وقوفها إلى صف إيران دون خوف أو حياء أو خجل من حلفائها في المنطقة الذين ما خذلوها مرة، وخذلتهم ألف مرة. والسبب في ذلك أن أمريكا تعمل «بمنطق القوة» وليس «بقوة المنطق». فلا يهمها الحقوق المسلوبة التأريخية للفلسطينيين، ولا وجوب فرض العدالة في سورية بل يهمها أن تقف إلى صف القوة الأقوى في المنطقة التي أوشكت أن تصنع القنبلة النووية، وأظهرت حسن نوايا مع إسرائيل هي وحلفاؤها- خلاف ما يُنعق به من حديث عن المقاومة والممانعة -إذ لم يحدث ولو مرة واحدة أن أطلقت رصاصة واحدة باتجاه إسرائيل من قبل إيران أو حليفها العلوي، وما قام به حزب الشيطان في الماضي يبين للجميع اليوم أنه لم يكن إلا ذرًا للرماد في العيون، وأن العدو الحقيقي للحزب الشيطاني هم السنة الذين يسميهم أتباعه الضالين «أحفاد يزيد» وقد ثبت ذلك قطعًا في سورية اليوم. لقد آن الأوان لكي نعرف حقيقة نوايا أمريكا التي لا تخاف إلا من أهل السنّة، وتدّعي أنّهم جميعًا من المتطرفين والمتشددين ولا تريد أبدًا أن تمكّن لهم في سورية أو غيرها، بل تريد أن تمكّن الشيعة والرافضة فقط كما فعلت في العراق فهم أقرب لها ولمصالحها ولإسرائيل ومصالحها. وما لم تستفق الأمة إلى هذا الخطر الداهم، وتُهدَّد أمريكا بمصالحها الاقتصادية الأساسية في المنطقة العربية، فلن تنال الأمة إلا الثبور وعظائم الأمور. Moraif@kau.edu.sa للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (53) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain