أصبح المجتمع السعودي جميعه متحدثاً إعلامياً باسم الكوارث والمآسي ومحاميا عنيفا عن القصص التي يريدها أن تكون حقائق، إن غابت المعلومات الصادقة، وما أكثر ما تغيب، صنع حقائق للواقع من خياله أو من ميوله أو من عقده وغرد بها تغريدا يشبه نعيق الغربان، حادثة الطفلة والشهيدة لمى الروقي شاهد حي على التعدي على مشاعر الناس وكرامتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، تعد حول ثقافة المواساة والعزاء الى آلة قتل معنوي لأسرة الضحية، حتى أصبحت المأساة حكاية للتسالي واختبار مهارات صنع الأكاذيب والإشاعات، وليست مأساة تستدعي المشاعر المواسية والنظيفة التي تذكّر بقدر الله وتبشر الصابرين بإيمان عليه. عرف المجتمع وسائل التعبير وامتلكها باقتدار مادي ولكنه مازال بعيدا عن ثقافة حرية التعبير التي تستند لقيم الدين والانسانية والمواطنة، بعيدا عن الحرية التي تعرف أن تسأل جيدا ولا تتبرع بالإجابات المجانية، والغريب في الامر ان اكثر الاشاعات تجدها في حسابات ومواقع المحسوبين على بعض التيارات المحافظة الذين يفترض بهم أن يكونوا أكثر حرصا على الكلام الصادق والأمين، وأكثر معرفة بعقاب الكذب عند الله قبل خلقه، وأن المتاجرة بأعراض الناس بضاعة الدنيء والساقط. فوالد الشهيدة - بإذن الله - لمى ليس حكومة ولا وزيرا حتى تشتد حوله الاشاعات والاكاذيب لضرب مسيرة عجزت عن ضربها سهام أعداء الخارج، ولكنه أب مبتلى بقدر الله، فلمصلحة من تتم المتاجرة بمأساته والتعدي على حزنه بكراهية وخبث، هل أصبحنا نتواصل مع بعضنا تقنيا من أجل الكراهية والرفض والشتم؟ إزاء هذا التعدي على الدين والاخلاق والمواطن لا بد من ظهور قانون شديد يعاقب تجار المآسي والأزمات، فليس من المعقول ان تكون حياة المواطن ومأساته مشروعا مباحا للمخترقين لجدار القيم والحياء، فالدعوة بإصدار قانون لا يعني المطالبة بالمنع وصد الحقائق والمبادرات النافعة حتى لو كانت مؤلمة، ولكن وجود القانون يحمي حياة الناس من الناس، قانون النشر في وزارة الاعلام لم ينشر بعد، وما هو موجود موجّه لإساءات معينة أصبحت مع مرور الزمن ليست إساءات بل كلام يرد عليه بكلام . الاخلاق سلوك في الكلام والكتابة والعمل والتواصل إن فقدها المجتمع فلا تستطيع قوة التعليم أو الاعلام أو خطب المساجد أن تسترجعها، فمن لا يستطيع ان يتواصل بحب ونصيحة صادقة فلا يعكر صفو التواصل بكذب بذاءات وانحراف بغيض عن مسار الدين والوطن، فمن ابتلاه شيطانه بالكذب فلا يبتلي غيره فيه.. لمى شيهدة بإذن الله فقد كانت قصتها درسا صادقا للضمائر الصادقة أو التي تريد أن تكون صادقة.