المتابع لتفاصيل ما يحدث في سوريا يلاحظ وجود تحالف وهجوم منسق على جماعة (داعش)، الذي تنامت حدته في الآونة الأخيرة من قِبل فصائل دينية متعددة المرجعيات، حتى تم تكوين رأي عام في المجتمعات العربية ضد (داعش) وأنصارها، وأنها جماعة تكفيرية متطرفة متساهلة في الدماء والأعراض، ولم تقتصر المشاركة في ذلك التحالف على الفصائل والشخصيات الدينية التي تزعم الاعتدال؛ بل حتى القاعدة ومنظروها مثل أبو محمد المقدسي كانوا هناك، وأدلوا بدلوهم في نازلة جماعة داعش، وحذروا منها ومن غلوها في التكفير، في مشهد كوميدي لا يسعك معه إلا أن تتذكر رائعة نجيب محفوظ (الشيطان يعظ). ووسط تلك الحملة بدأت تتعالى أصوات من داخل معسكر التحالف ضد داعش، تهدف إلى إعادة ترميم الصورة النمطية للقاعدة في أذهان الناس من خلال إظهار القاعدة مقارنة بداعش بأنها أقل تطرفاً وأكثر تسامحاً، وأنها لا تعرف التكفير ولا التساهل في الدماء، لتجعل الناس يرددون المثل المعروف (الله يحلل الحجاج عند ولده) عند مشاهدة جرائم (داعش) وإنكار القاعدة عليهم، مما يوجِد مُسلّمة لدى المتلقي بأن القاعدة و(داعش) هما فصيلان منفصلان حساً ومعنى لا تجمعهما أي رابطة في الدنيا ولا في الآخرة. وخطورة تيار (تبييض وجه) القاعدة؛ أنه يهدف إلى التدليس على الناس واستغلال المزاج الشعبي ضد (داعش) من أجل محو الذاكرة الاجتماعية التي تزال تحتفظ بذكريات إرهاب القاعدة وإجرامها في الدول الإسلامية، التي جعلتها ساحة حرب مفتوحة لعملياتها الإرهابية التي لم تستثنِ أحداً، بل طال إجرامها النساء والأطفال وأهلكت الحرث والنسل، ومع كل تلك الأحداث السوداء التي مازالت بعض جراحها تنزف؛ يريد بعض (مطبلاتية) القاعدة أن يبرزها حملاً وديعاً من خلال مقارنتها بربيبتها داعش، التي لم تكن مشكلة القاعدة معها ومع قادتها في القتل والتمثيل بالجثث والتكفير، وإنما كانت مشكلة قادة القاعدة مع (داعش) أنها خرجت على ولي أمرها المقيم في أحد كهوف أفغانستان، وشقت عصا الطاعة ونزعت يداً من طاعتها لزعيم القاعدة، تماماً كما فعل قادة القاعدة أنفسهم مع حكومات دولهم التي خرجوا عليها بالسلاح ولم يكتفوا بتكفيرها فقط؛ بل كفروا كل من شك أو توقف في تكفيرها، وأباحوا دماء كل من عمل في تلك الحكومات التي وصفوها بالمرتدة، وهو ما فعلته (داعش) دون زيادة أو نقصان، وكما تعلمته من أساتذتها في قاعدة الجهاد في تورا بورا.