×
محافظة مكة المكرمة

أميرمكة المكرمة يستقبل سليمان الراجحي وأمين محافظة جدة

صورة الخبر

العلم لم يتمكن بعد من التوصل إلى آلة زمن تتيح للبعض القفز في الماضي أو الاندلاف إلى المستقبل بينما يبقى الآخرون في الحاضر، وعلى رغم ذلك حدث ذلك في مصر على مرأى ومسمع الجميع وذلك على أثير استفتاء المصريين على دستورهم. ففي اللحظة ذاتها التي كان ملايين المصريين يصطفون على أبواب لجان الاستفتاء في 14 الجاري حيث كاميرات تلفزيونية مصرية مثبتة وغربية متجولة، ترصد الأعداد وتراقب المزاج العام وتحلل التوجهات، كانت كاميرات أخرى تقف في هواء الاستوديو المكيف بعدما أوكلت المهمة الأكبر لقطاع الأرشيف. تم البحث والتنقيب في أدراج الماضي القريب حيث لقطات مصورة وأفلام محررة تم بثها مع علامة «مباشر» باعتبارها مما «يحدث الآن في مصر» للجان انتخابية خاوية وموظفين إداريين نائمين وصناديق تصويت خالية وكلاب ضالة متثائبة وقطط شوارع متناحرة. لكنّ الصراع الأقوى كان في الاستوديو التحليلي لقناة «الجزيرة» التي أخذت على عاتقها مهمة تغطية مجريات استفتاء المصريين على دستورهم بطريقتها الخاصة، حيث تنافس الضيوف على صبّ جام الغضب وتوجيه سهام الاستياء إلى «دستور الدم والخراب والدمار والانتحار والاندثار» مع وصف تفصيلي للمشهد الدائر أمامهم من قلب لجان الاستفتاء حيث مقاطعة شعبية واضحة ورفض مصري هادر وإعلان وطني واضح لرفض الدستور الانقلابي الغاشم مع تأكيد ضمني لعودة الشرعية وتغليف ظاهري جارف لتقديم كل من ساهم في الدعم أو التفعيل أو التأييد لهذا الانقلاب لمحاكمات ناجزة وإعدامات جاهزة. واكتملت التغطية بالشريط الـ «عاجل» حيث تأكيدات لامتناع المواطنين عن التصويت ومليونيات هادرة رافضة للاستفتاء ومطالبة بعودة الدكتور محمد مرسي ووجوم يغطي الشوارع المصرية. وبالطبع لم يكن للمشهد أن يكتمل أو يستوي من دون رسائل المشاهدين التي لم تخرج يوماً على مدار أشهر مضت خارج سيناريو «أهالي كوم حمادة مع الشرعية» أو «أم أحمد تدعو للرئيس بالصحة وعلى الانقلابيين بالسرطان». المشكلة الوحيدة في المشهد المكتمل الأركان تكمن، لا في التوجهات التحريضية للضيوف، ولا في الأسئلة السابقة التوجه للمذيع، ولا في المداخلات الهاتفية لخبراء ومحللين وضيوف لا يعكسون سوى توجه واحد لا ثاني له ألا وهو توجه جماعة «الإخوان المسلمين»، بل في أن الصورة المنقولة كانت للجنة انتخابية على دستور 2012 الإخواني حيث رجال الجيش المؤَمنين للجان يرتدون زي القوات المسلحة الذي ألغي عقب 30 حزيران (يونيو) الماضي! وبما أن ملكة العقل على التفكير النقدي والتحليل المرئي ألغيت لدى بعضهم، فقد أخذت مواقع ونقلت وسائل إعلامية وعنكوبتية خبرية هذه التغطية القديمة – الجديدة، الموجهة المؤدلجة نقلاً لم يجد هوى ولم يصادف مباركة إلا عند المشاهد الإخواني أو المتعاطف أو المتضامن أو المتحالف مع الجماعة. لكنّ تغطية الاستفتاء على الأثير المتطابق والهوى الإخواني لم تقف عند حدود مشاهد مستخرجة من قسم الأرشيف والمحفوظات، بل امتدت لتشمل تغطيات حدثت بالفعل في اليوم الأول من الاستفتاء، واختارت أن تبتعد تماماً عن الغالبية المطلقة من اللجان الانتخابية في طول البلاد وعرضها، وتوجهت رأساً إلى منطقتي «أوسيم» و «ناهيا» حيث معاقل «الإخوان» العتيدة، واللتين شهدتا اشتباكات بين الجماعة والأمن في ذلك اليوم بهدف إفشال الاستفتاء. ونُقلت الصورة مراراً وتكراراً باعتبارها السمة العامة المميزة لليوم. أما مسك الختام على هواء «الجزيرة» فكان نقلاً لمسيرات ليلية عشرية لجماعة «الإخوان» في عدد من القرى والمدن والتي أمر «تحالف دعم الشرعية وكسر الانقلاب» الإخواني قواعده بتنظيمها مع رفع شعارات رفض الانقلاب.   انقلاب تسلم الأيادي أغنية «ثورة دي ولا انقلاب» التي يعشقها «الإخوان» وأتباعهم والتي اختار أحدهم تشغيلها بعلو الصوت في سيارته أثناء مروره أمام لجنة انتخابية اصطفت المئات أمامها للإدلاء بأصواتهم، كادت تتسبب في الفتك بصاحبها، لولا تدخل قوات من الجيش والشرطة لتخليصه من أيادي الناخبين. وهو المشهد الذي لم يعرف طريقه إلى شاشة «الجزيرة» التي نقلت أغاني الإخوان «مصر إسلامية» ورقصات «الحرائر» على أنغامها دوناً عن رقصات المصريين على أنغام «تسلم الأيادي»! موسيقى «تسلم الأيادي» التي باتت تثير جنون «الإخوان» وأسلوب كيد المصريين لهم لم تسمع يومي 14 و15 الجاري عبر القنوات المصرية الرسمية والخاصة التي كانت موجودة في طول البلاد وعرضها فقط، بل سمعها وأدارها ورقص على أنغامها، في داخل اللجان وخارجها، ملايين المشاهدين الذين تركوا مقاعدهم المثتبة أمام الشاشات لبضع ساعات توجهوا خلالها الى لجان الانتخاب حيث رأوا بأنفسهم مجريات الاستحقاق.   المشاهد يصنع الخبر ولأن من رأى ليس كمن سمع، فقد لاقت تغطية القنوات المصرية، الرسمي منها والخاص، قبولاً عارماً وصدقية هائلة غير مسبوقين بين جموع المصريين. فاللجان العامرة بالناخبين، والأجواء المفعمة بالفرحة الراقصة المحتفلة، لا بالتصويت على الدستور ولكن بالقضاء على مشروع الإخوان، لم تكن هذه المرة صورة على شاشة فقط، بل كانت جزءاً من واقع صنعته وعايشته الملايين واستكملته بعد العودة من اللجان. وعلى رغم التوجيه بـ «نعم» الذي كان سمة عدد من القنوات التلفزيونية المصرية في الأيام السابقة للاستفتاء، وعلى رغم أن التوجيه بـ «لا» كان السمة الوحيدة في قناة «الجزيرة» وما ينقل عنها من قنوات ومواقع تابعة للجماعة، إلا أن المشاهد المصري فطن ربما للمرة الأولى بنفسه ومن دون توجيه أو تحريض الى مدى تناقض الأثيرين، وحجم كذب أحدهما، ومقدار انتقاص المهنية في الطرف الذي عُرِف بمهنية شديدة وخبرة عميقة في مجال الإعلام التلفزيوني. الإعلام التلفزيوني كشف الكثير إبان التغطية «الآنية» للاستفتاء. الشاشات المغطاة بعشرات النوافذ (30 نافذة من 30 موقعاً على شاشة «سي بي سي»)، والتغطيات المتواصلة لطوابير لا يخطئها إلا أعمى البصيرة، والنقل الحي لتحول يومي الاستفتاء على أيدي المصريين من مجرد علامة صح إلى فرح بالطبل والزمر لا ينكره إلا ناكر الإرادة الشعبية. ويكفي أن الصمت الرهيب والسكون المريب اللذين كللا صور «الجزيرة» التي يفترض أنها كانت «على الهواء مباشرة» لم تعكر صفو توجههما سوى رقصات المصريات المتقدمات في السن النافذات البصيرة، القادرات على مواجهة ترهيب «تحالف دعم الشرعية» أو تهديد «عماد الثورة الإخوانية» أو تنديد «حرائر الأخوات» بالزغاريد التي لم تجلجل فقط عبر أثير الفضائيات، ولكنها جلجلت في آذان الملايين من الواقفين والواقفات ممن التفتوا بأنفسهم إلى تغطية تلفزيونية ثالثة جرى العرف ألا يعيروها اهتماماً واعتادوا تجاهلها إما لعدم إلمام بلغاتها أو لانشغال بأحوالهم، لكنهم تيقنوا هذه المرة من توجهات بعضها الواضحة إلى إضفاء نعوت وأوصاف غريبة على مجريات استفتاء تحتاج علماء نفس واجتماع لتحليل تحولها الواضح والمبين إلى أفراح وأعراس من دون توجيه أو إملاء. فمن محطات بريطانية لم تقو على الاستعانة بالأرشيف، فاضطرت إلى تصوير الطوابير مع تكليلها بأوصاف «اصطفاف غير ديموقراطي على استفتاء انقلابي» الى تركيز على اشتباكات «قتلى وجرحى يوم الاستفتاء». إنه هوى الأثير الذي يختلف كل الاختلاف عن هوائه!   وجوم الكاميرات الغربية أمام الطوابير   وجوم الكاميرات الغربية أمام طوابير الاستفتاء العتيدة وتركيزها المنحاز الى الاشتباكات التي وقعت في اليوم الأول ولجوء بعضها إلى تقارير وحوارات الهدف منها تصوير احتفال المصريين باستفتاء ينهي أسطورة «الإخوان» على أنه «قهر لجماعة شرعية» و «ظلم لمجموعات مصرية» تجلى بوضوح في لقاء مذيعة «سي إن إن» الشهيرة كريستين أمانبور مع رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس ومحاولاتها إحراجه، فإذ به يحرجها بسؤاله عما إذا كان مصدر معلومات «سي إن إن» عن مصر هي «الجزيرة»، معلقاً على سؤالها حول قمع حرية المتظاهرين «السلميين» بقوله: «ألم يخبرك مراسلوك أن النشطاء تفاخروا وأعلنوا أنهم سيتظاهرون من دون تصريح وأنهم سيتحدّون قانون التظاهر؟». وأضاف: «هل تستطيعين التظاهر في نيويورك أو اي مكان من دون تصريح من الشرطة»؟ وسرعان ما ساد صمت رهيب، كذلك الذي ساد في استوديو «الجزيرة» قبل أيام حين اتصلت القناة بأحد كوادر «الجبهة السلفية» الدكتور خالد سعيد في مصر ليـدلو بـدلوه حـول الانقـلاب الدموي والعنف الرهيب الذي تتعرض له الجماعة وإلصاق تهم التفجيرات والتفخيخات والإرهاب بها، فما كان من «أحدهم» ويدعى خالد سعيد إلا أن قال على الهواء مباشرة «أيوه طبعاً «الإخوان» ولاد ال... هم من يقومون بهذه الأفعال الإرهابية ويجب القضاء عليهم».