بقلم : عبدالغفار حسين رحلة الإنسان الأبدية مستمرة، ونحن نقف جميعاً في صفوف متوازية، كلما اختل صف أتى فوج جديد ليكمله، ولندخل كما في المرحلة الأولى من حياتنا، عالماً مجهولاً لا نعلم كنههُ، الموت خطوتنا الأولى نحو هذه الأبدية.. كثير من النظريات تقول إننا نحاسب من أول يوم ندخل فيه هذا العالم المجهول.. والبعض يقول إنها ضجعة استراحة، قد يطول رقادها قروناً من الزمن دونها قرون، ثم لابد أن يأتي يوم الحساب فيُخذل منا من يخذل ويفوز منا من يفوز، وتبدأ الحياة الثانية التي ليس فيها أي هاجس خوف من المجهول والمصير.. والشاهد أننا نمضي واحداً تلو الأخر، في وعي كنا أم في غفلة.. النَّاسُ في غَفَلاتِهم ورَحى المَنِّيَةِ تَطْحَنُ ولكن المؤلم في الأمر عندما يختطف الموت عزيزاً غالياً كان الموت يتربص به دون أن يترك أي إشارة لهذا التربص من مرض أو وعكة أو شيخوخة نالت منها السنون... هكذا كان شأن بوخالد عبدالله عمران، الذي اختطفه المنون بشكل مفاجئ وهو في كمال صحته الجسدية والذهنية، يتوالى عطاؤه في الفكر والكتابة والقراءة والإدارة لمشروعاته الإعلامية ولثقافية والاقتصادية من استثمار وتجارة وغيرها. كان عبدالله مجموعة مواهب تتركز مآثرها في كينونة رجل واحد.. اشتغل عبدالله بأمور السياسة والإدارة في وزارات عدة، ومناصب تعليمية وقانونية وإدارية، كان سياسياً من الطراز الأول، يؤثر المصلحة العامة لبلاده على كل مصلحة، وإذا تعارضت هذه المصلحة مع مصالح إيديولوجية كانت قد تركت فيه أثراً في المراحل الأولى من حياته، فإنه كان يقدّم مصلحة الوطن على كل مصلحة أخرى كما أشرنا.. وعندي أن السياسي الحق هو أن يكون مرناً ويكون على استعداد لكي يعطي بقدر ما يريد أن يأخذ، وكان هذا شأن عبدالله عمران. وكان بوخالد، مثقفاً بثقافة واسعة يستطيع أن يزن الأمور بميزانها الصحيح ويجد حلولاً لمعضلاتها، وكان ملازماً للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان أحد البناة الكبار في تاريخ العرب، واكتسب من هذا القائد كثيراً من تجارب الحياة، كذلك كان وزيراً في حكومة المغفور له الشيخ راشد بن سعيد الذي كان سياسياً محنكاً يشار إليه بالبنان، واكتسب أيضاً وهو يجالس الشيخ راشد خبرة ودراية وتدبيراً. وقد كان عبدالله عمران صديقاً للشيخ محمد بن راشد حفظه الله، ويحترم كل منهما الآخر، وكان يرى في الشيخ محمد القائد المحنك والشجاع الجريء الذي يواجه الصعاب بتدبير ورجاحة عقل. ومن مآثر هذه الشخصية الفذة، شخصية عبدالله عمران، أن لم يقتصر جهده على مواصلة رسالة شقيقه المرحوم تريم عمران الذي يرجع إليه الفضل الأول في تأسيس أول دار إعلامية أهلية في تاريخ الإمارات، هي دار الخليج، بل كان عبدالله مضيفاً ومطوراً لهذه الدار التي أصبحت دار إعلام يضاهي أكبر الدور الإعلامية في العالم العربي، وبذلك أصبح عبدالله عمران أحد الإعلاميين البارزين في منطقة الشرق الأوسط برمتها. ولم تكن مواهب عبدالله في التجارة والاستثمار المالي تقل عن مواهبه في الإعلام والسياسة والإدارة.. فقد كان على دراية وجرأة في الاستثمار المالي وذو نظرة اقتصادية وتجارية ثاقبة، ومن هنا استطاع أن يكّون لنفسه رأسمال اعتمد عليه كثيراً في تطوير مركزه الإعلامي، وكان عبدالله عمران يرى أن ركيزة الإعلام الخاص هو الرأس المال القوي الذي بدونه يفقد الإعلام حياديته واستقلاله، ويصبح خاضعاً للتوجيه الذي قد لا يلائم الاستقلال والمصالح الوطنية. وتبقى كلمة أخرى وهي أنه سوف تمر السنون تلو السنين، وسيفنى من الخلائق ما لا يعد ولا يحصى، ولكن هناك أسماء لها بصماتها في كل بلد وفي كل مجتمع، تظل على الدوام عالقة بالأذهان لا تمحيها الحقب ولا الأزمان، ومن هذه الأسماء، اسم بوخالد، الدكتور عبدالله عمران تريم، السياسي والمعلم الإعلامي والاقتصادي الذي كان رحيله المبكر خسارة جسيمة للإمارات وشعب الإمارات. Agh@Corys.ae