ماذا حل بالثقافة و«الميديا» في مصر بعد ثلاث سنوات من انطلاق الربيع العربي؟ سؤال ركز عليه البرنامج الثقافي التلفزيوني السويدي «كوبرا» دون غيره من الأسئلة، كالسياسية مثلاً، لأنه لم يكن معنياً بها حين حطّ رحاله في مدينة القاهرة وراح يتقصى مدى تأثير الثورات في تلك المجــالات بالتحديد، خصوصاً أن حالة الإحـــباط من نتائج ما جرى من تغيير علـــى المستوى السياسي كانت سائدة وواضحة وسط الشارع وبين النخب المثقفة. وهذا ما تلمسه البرنامج خلال استعراضه مراحل الثورات العربية التي بدأت في تونس، ووصلت الى مصـــر التي اعتبر أن ما يجري فيها من حراك لم يحسم بعد، على رغم قتــامة المشهد، انطلاقاً من تجارب عدة من بينها تجربة باسم يوسف مقدم «البرنامج» السياسي الساخر، الذي حظي بشعبية كبيرة، ومازال السؤال حول مستقبله، رغم انقطاعه، له صلة بمستقبل حرية التعبير في مصر. كما ظهر خلال جولة معد البرنامج كريستوفر لوندستروم بين عدد من العائلات القاهرية التي أكد كثير من أفرادها، وبينهم السيدة دنيا فراي ان «برنامجه الساخر كان يدعونا للضحك على الأحداث التي تجري من حولنا، لهذا كنا ننتظره بفارغ الصبر. كان «البرنامج» جامعاً للمصريين كلهم». فيما نبّه الصحافي المصري محمد شكر الى الجدية في تقديم باسم يوسف، «ففي الفصول الأخيرة من برنامجه كان يزيح السخرية جانباً، ليطرح بدلاً عنها رأيه الجاد في ما يحدث على الأرض، فينزع عنه قناع المهرج، ليرتدي قناع المحلل الجاد». ويوضح البرنامج أن «الإخوان» لم يتحملوه لروحه النقدية الساخرة وأرادوا توقيف برنامجه وتقديمه الى المحكمة، وكذا قادة الجيش، الذين نجحوا في إيقافه. وعن هذا الإجراء علّق مقدم البرنامج الأميركي الساخر «ذا ديلي شو» جون ستيوارت، الذي كثيراً ما يقاربون في مصر بينه وبين ما يقدمه باسم عندهم: «يبدو أن ذائقة العسكر للفكاهة المصرية أسوأ من ذائقة الأخوان!». لكنّ السؤال حول مستقبل البرنامج مازال مستمراً، مع إشارة معد البرنامج السويدي الساخرة: «الفرق بين تجربة ستيوارت وباسم أن الأول ما زال مستمراً في تقديم برنامجه في حين لا نعرف ماذا حلّ بالأخير وهل سيعود قريباً؟». من مظاهر حرية التعبير التي رصدها البرنامج التلفزيوني «كوبرا» الرسم على الحيطان «غرافيتي» الذي شكّل مادة تعبيرية غنية خلال الثورة، ووسيلة تثقيفية ودعائية، حين كانت صور الشهداء تغطي الجدران في تحد صارخ للسلطات. وكان كما تقول أمينة هشام «وسيلة إعلامية تعطي للمارة خلفية لصورة ما يحدث في الواقع، وتفضح ممارسات معيبة مثل التحرش الجنسي الذي كانت تتعرض له بعض المتظاهرات في التحرير، لكن دورها أخيراً بدأ بالانحسار، نتيجة لتدخل جهات حكومية رسمية، أصدرت إنذاراً لكل من يقوم برسم صور الشهداء». تحدي رسامي الغرافيتي القرارات وإصرارهم على الرسم يشير الى بقاء جذوة نار الحراك متقدة، كما هي في المجال الإعلامي، فكثر من المشتغلين في الصحافة على كل أشكالها مازالوا مُصرين على العمل في المستقبل وبروح متحمسة أكثر من قبل، كما ظهر في المقابلات التي أجراها البرنامج معهم، ولكن يظل العمل في الحقول الإبداعية والبصرية خصوصاً الأنشط في حراكه واستعداده للمواصلة، وفي زيارته إستديو (ZAD) تأكد هذا التصور، اذ ينشط فنانون في انتاج أعمال تنتمي روحاً للثورة وتريد لها التواصل مثل مشروع برنامج «غني حرية» الذي تحدث عنه المنتج محمد حسن كتجربة موسيقية «تنوعت فيها الأجناس اللحنية من بلدان عربية متعددة لكنها اشتركت كلها في التعبير عن القضايا والهموم ذاتها». الممثل عمرو واكد، الذي ينشط في هذا المشروع، عبّر عن فرحته بظهور موسيقيين تحتاجهم الثورة لكي تستمر. وقال: «نريد موسيقيين ينخرطون في النشاط السياسي من خلال فنهم الذي يمكن أن يكون سلاحاً في معاركها». ثم تحدث لـ «كوبرا» عن تجربته في فيلم «الشتا إللي فات» للمخرج إبراهيم البطوط، وكيف ساهم في تعرية أساليب التعذيب التي كانت أجهزة استخبارات الرئيس مبارك تستخدمها ضد معارضيها، معتبراً أن الثورة ساهمت في التخلص من عقدة الخوف وعززت مبدأ حرية التعبير. «لقد لعبت الثورة دوراً مهماً في هذا الجانب بغض النظر عن النتائج التي وصلت اليها». استنتاج يتطابق مع ما توصل اليه البرنامج الذي رأى ومن خلال مقابلاته وجولاته في القاهرة إن الثورة قد أعطت زحماً من الحرية وطاقة متجددة للفنانين والاعلاميين، للمضي قدماً في مساهماتهم. «لقد تنوعت زوايا النظر واختلفت النظرة للأمور عما كانت عليه سابقاً وسيصعب على أي قوة مهما كانت إيقافها!».