نشرت الجارديان يوم الأحد 28 يوليو 2013 مقالة لمراسلها الفني مارك براون عن فيلم تسجيلي قصير بعنوان (5000 قدم هي المثلى). والفيلم الذي تبلغ مدته 30 دقيقة فقط هو من إنتاج عمر فاست الإسرائيلي المولد، الأمريكي التعليم، والمقيم حاليا في برلين / ألمانيا. وتنشر الجارديان هذه المقالة عن الفيلم الذي يعكس عنوانه الارتفاع الأمثل للطائرات المقاتلة بدون طيار لأداء مهامها على الوجه الأمثل، وذلك بمناسبة بدء عرضه في المتحف الإمبراطوري في لندن الأسبوع الماضي. وما دعاني للاهتمام بمضمون مقالة براون هو عدة عبارات نقلها من الفيلم على لسان أمريكي عمل مشغلا لألعاب الموت الطائرة هذه مدة أربع سنوات ومنها قوله: «إنها تشبه ممارسة لعبة من ألعاب الفيديو على نفس المستوى لمدة أربع سنوات» وقوله: «بأنه يقتل من قيل له بأنهم الأشخاص السيئون» وأنه (يعرف أنه يخطئ الهدف أحيانا ويصيب أبرياء لم يقصد أن يصوب نحوهم). ويبرر المشغل السابق استمراره مدة طويلة في تنفيذ عمليات القتل بهذه الطائرات «بحرصه على الدقة وعدم إيكال المهمة للمستجدين الذين يمكن أن ينفذوها بشكل أسوأ». وليست هذه هي المرة الأولى التي نسمع فيها بمثل هذه العبارات ممن يمارسون أو يؤيدون لعبة الموت بأدوات القتل هذه وبشبيهاتها من الأسلحة التي توجه عن بعد. فقد سبق للأمير هاري، الثالث في الترتيب على وراثة عرش بريطانيا، قبل مولد الحفيد الأول للأمير شارلز، التصريح بأنه قتل مسلحين من طالبان خلال خدمته في الجيش البريطاني لمدة 20 أسبوعا في ولاية هلمند مساعدا لقائد مروحيات أباتشي القتالية. وقال: «لقد كانت ممتعة بالنسبة لي، لأنني من الأشخاص الذين يحبون لعب بلاي ستيشن واكس بوكس، ولذلك فإنني مفيد جدا في استخدام أصابعي» . كما سبق لعضو مجلس النواب الأمريكي لندساي جراهام أن صرح على سبيل الافتخار بأن بلاده قتلت باستخدام هذه الطائرات 4700 واعترف بأن أبرياء يقتلون في بعض الأحيان وهو ما يكرهه «ولكننا في حرب تمكنا خلالها من القضاء على عدد كبير من قادة القاعدة». وهكذا نلاحظ أن الصفات المشتركة للثلاثة الذين أشرت إلى بعض من تصريحاتهم كعينة من مجتمع كبير من المسؤولين عن تصميم واستخدام وتشغيل هذه الطائرات، توفر المبـرر الأخلاقي الذي يحيد الضمير بأن من يقتلون هم من الأشخاص السيئين، وأن الغاية تبـرر الوسيلة فإذا مات أبرياء فهي الحرب ولها ضحايا، وأنك إذا لم تشغل أدوات القتل هذه فغيرك كثيرون من المستجدين والمتحفزين لتشغيلها وربما بكم أكبر من الأخطاء، وتبقى أسوأ صفة يمكن أن تتأصل في النفس بالممارسة وهي «الاستمتاع بالقتل» وهي الصفة التي عبر عنها الأمير هاري خير تعبير. إذن فقد بدأت المسألة كلها في الغرب من الطفولة بتعويد الصغار على ألعاب الفيديو التفاعلية وإدخالهم في حروب وهمية وتدريبهم على مشبهات حربية وغرس أفكار وقيم منافية للعدالة والتحضر في أعماق وعيهم المستكن بأساليب محببة تعتمد على اللعب وتعميق الإحساس بالتفوق والاختلاف وبكونهم دائما في الجانب الطيب وغيرهم في الجانب السيئ وهذا يكفي كمبرر للقتل في جانبهم وللموت لمن هم في الجانب الآخر. وبهذه الأساليب الشيطانية يتم إنتاج أجيال مريضة من الناحيتين النفسية والعقلية وذلك بإعادة تعريف دواعي الشعور بالذنب وتأنيب الضمير وحماية المثل والقيم الإنسانية العليا بحيث تنعدم لغة التفاهم بينهم وبين غيرهم. ولقد رأى العالم أجمع بعض القادة الغربيين وهم يعكسون مثل هذه الثقافة العدائية الغريبة تجاه الآخرين فمنهم من يقول: «من لا يكون في صفي فهو ضدي» وسأشن «حربي الصليبية» و «أرفض الاعتذار عن الإساءة لنبي دين غير ديني» . وعلى الجانب الآخـر، أي في نواحينا من العالم فقد كان منتج ألعاب الفيديو أيضا أجيال غير سوية أكثر قسوة واستعدادا لقتل الآخرين ولكن الجانب الطيب أصبح من يقف إلى جواري في الدين أو المذهب أو الطائفة والقبيلة والمنطقة. فالجانب الغربي الطيب يقابله باقي العالم كجانب سيئ أما جانبنا الطيب فجوانب متعددة ولا متناهية والجانب السيئ كل من عدا جوانبنا ولذلك ترى القتل والتدمير الذاتي في الدول التي أفلت زمام الأمن فيها أكثر وحشية وعنفا من أي وقت مضى.. وفي الختام، أقول إن ألعاب الفيديو التفاعلية التي استخدمها الغرب لبناء تيار من القيم والأخلاقيات العدائية البشعة في سبيل الهيمنة والتسلط هي نفسها التي ذهب أبناؤنا ضحية لها ولعوامل أخرى مساعدة دون أدنى تخطيط أو سيطرة منا لتنتج منهم أفرادا أشد عداء وقدرة على التدمير والأذى. @alitawati