في رحلة تستغرق أربعة فصول ونحو 200 صفحة يصطحبك علاء لطفي في قراءة عكسية لمشاهد الثورة منذ بدايتها الأولى وحتى تداعياتها الأخيرة، محاولا تفسير ما قد سقط بين السطور من مفاتيح أهملتها العين المجردة في خضم الأحداث المتسارعة والمرتبكة التي مرت بها الثورة المصرية. يغوص بك في نظريات السياسة والاجتماع وعلم النفس وأحداث التاريخ في حركة سريعة تستبق الأحداث والمواقف لترسم صورة حقيقية لمستقبل الحراك السياسي الدائر في قالب أصدق من النبوءة ولكنه لا ينطق بها، إذ تبقى المعالجة في النهاية استدعاء للتاريخ لتفسير الحاضر. الزمن الحقيقي للكتاب يبدو للوهلة الأولى هو ثورة 25 يناير، وفي حقيقة الأمر يبدأ معك في مقدمته من منتصف خمسينيات القرن الماضي حين كانت نظرية المؤامرة تطل علينا باستحياء في كتابات «جورج أوريل» ليصدمك بأنها لم تغادرنا خجلا وحياء بعد فضيحتها في تلك الروايات، وأن العكس هو الصحيح.. فقد باتت أكثر تبجحا وعلانية ومكرا ودهاء، لأنك أنت من رآها وأنكرها وكذب نفسه وأهانت كل من حاول أن يصفها لك. يأخذ الكتاب من مشاهد ومآلات الثورة مدخلا ليقترب بك من تشريح حقيقي عرفته نظريات السياسة والاجتماع منذ ما قبل الثورة الفرنسية وحتى ظهور «جين شارب» وآصف بيات في العقدين الأخيرين، لتكتشف في نهاية الأمر أن الثورات في العالم لا تحدث من تلقاء نفسها، وأنها ليست عملا عشوائيا كما يبدو عليه الأمر حتى ولو غابت عنها القيادة، لكنها تبقى في نهاية الأمر نتاج تفاعلات تجري من حولك في الخارج قبل تراكمات تتشكل في الداخل عبر سنوات، وأنها تمر بآليات وتحضيرات متعارف عليها ولا تثير الاندهاش لدى علماء السياسية وخبراء الاجتماع كما يحاول البعض أن يصور الأمر.. سوف تكتشف بنفسك في هذا الكتاب كيف يمكن أن تصنع ثورة لكنك ليس بالضرورة ستعرف كيف تنهيها لأن ذلك ليس دورك، هو دور آخرين يمتلكون وحدهم مهارة القفز إلى مقاعد السلطة لتبدأ دورة أخرى من التسلط والطغيان وكفاح الشعوب. الكتاب من بدايته إلى نهايته يتخذ من المنهج الديكارتي التشكيكي أداة للفهم والقراءة والتحليل، لذا ستجده يطرح التساؤل أحيانا ثم يتركك تبحث عن الإجابة بنفسك خشية أن يمارس عليك تسلط المفكر، بل يشاركك البحث عن إجابات في كتب التاريخ الصفراء وروايات السابقين. يضم الكتاب أربعة فصول رئيسية تبدأ بالفوضى وتمر بالثورة وتتوقف عند الصفقة لتنتهي بالاستقطاب وهو المشهد الأكثر حضورا في الوقت الراهن.. وستجد في كل فصل معالجة مغايرة، بل صادمة أحيانا عن ما هو سائد من مفاهيم مستقرة لدى الرأي العام، ثم يترك لك كل الحق في الاختلاف أو الرفض لما بلغه من تصورات، وربما يستفزك لتطرح أنت وجهة نظرك إن لم تتفق معه في نهاية الأمر.. لكن أخطر ما يطرح من فرضيات أن مصر لم تقم بها ثورة بعد، وأن ما حدث كان نصف ثورة ونصف انقلاب، لكنه من وجهة نظره أفضل من لا شيء على الإطلاق. لا تحاول أن تبحث لكاتبه عن توجه أو انتماء سياسي أو تصدر أحكاما في نهاية قراءتك لأنك لن تجد أيا من ذلك فهو يرفض الانتماء السياسي أو الفكري لأي من التيارات الدائرة، فاستمتع معه بممارسة الصفع للجميع.. والبحث عن مخرج من مأزق تاريخي تمر به الأمة المصرية.