يستثمر عملاق صناعة السيارات الألمانية "فولكس فاجن" سبعة مليارات دولار في أمريكا الشمالية على مدى السنوات الخمس المقبلة، في ظل انتعاش صناعة وتجارة السيارات في القارة الأمريكية، وتحديدا الولايات المتحدة، الأمر الذي يجدد الآمال لإحياء مدينة ديترويت المفلسة. وتشير التوقعات إلى أن مبيعات السيارات من طرازي فولكس فاجن وأودي سيبلغ مليون سيارة في أمريكا وحدها بحلول عام 2018، مما دفع إدارة الشركة الألمانية لأن تضع نصب عينيها تحقيق هدفها الرامي إلى أن تصبح أكبر منتج للسيارات في العالم بحلول عام 2018، إذ تحتل حاليا المرتبة الثالثة، وتسبقها كل من شركة تويوتا اليابانية أكبر منتج للسيارات في العالم، وجنرال موتورز الأمريكية ثاني أكبر منتجي السيارات عالميا. وتتزامن تلك الخطط المستقبلية لتعزيز الاستثمار في الولايات المتحدة من جراء التعافي الملحوظ في الاقتصاد الأمريكي، الذي خرج من حالة الركود التي انتابته في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008. وعلى الرغم من عدم صدور أرقام نهائية في أمريكا بشأن إجمالي مبيعات السيارات في 2013، إلا أن المؤشرات الأولية ترجح أن يكون العام الماضي أفضل عام لسوق السيارات منذ عام 2007، إذ يتوقع أن تتجاوز المبيعات 15.5 مليون سيارة، ويصل التفاؤل بالبعض للوصول بها عند حدود 16.8 مليون سيارة. ويعلق آلن كوبال نائب رئيس تحرير مجلة "أوتو إكسبرس" المتخصصة في عالم السيارات لـ "الاقتصادية"، بأنه إذا تحققت تلك الأرقام، فإن ذلك يعد مؤشرا على انتعاش قوي في تجارة السيارات في الولايات المتحدة مقارنة بعام 2009، عندما انخفضت المبيعات لحدود 10.4 مليون سيارة، ومع هذا فإن كوبال يبدو حذرا في تفاؤله بقوله، إن علينا أن نتمهل ولا نغرق في التوقعات المتفائلة، فجزء من التعافي الراهن يعود لسياسات التيسير الكمي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي)، الذي يضخ نحو 75 مليار دولار شهريا في العجلة الاقتصادية، ولا نعلم بشكل حقيقي ما الذي سيحدث إذا ما تقلصت أو تراجعت أو ألغيت سياسة التيسير الكمي، فصناعة السيارات من أوائل الصناعات التي تتأثر بقوة بالانتعاش أو الركود الاقتصادي. ومع هذا فإن مجالس إدارات شركات صناعة السيارات في أمريكا، وخاصة الشركات الثلاث الكبرى جنرال موتورز، وفورد، وكرايسلر، تشعر بأن الضغوط التي كانت تواجهها خلال فترة الركود قد تراجعت بشكل ملحوظ، وإن لم تختف تماما، فقبل الأزمة المالية كانت الشركات الثلاث الكبرى تتعرض لخسائر ضخمة، وذلك على الرغم من أن مبيعات السيارات والشاحنات في أمريكا بلغت 16 مليون سيارة سنويا، وكان جزء كبير من الخسائر يعود لسياسات التحفيز الضخمة التي تمنحها الشركات للمشترين. والآن وعلى الرغم من ارتفاع أسعار السيارات في أمريكا، فإن المبيعات في تزايد، فقد ارتفع متوسط سعر السيارة في الولايات من 29.572 دولار عام 2007 إلى 32.077 عام 2013. ومع هذا فإن الأفق مليء بتحديات من نوع جديد لصناعة السيارات الأمريكية. يعلق المهندس كريستوفر توكي المدير التنفيذي لقسم البحث والتطوير في اتحاد منتجي السيارات البريطاني، الذي شارك في معرض ديترويت للسيارات الذي عقد في مدينة ديترويت الأمريكية أخيرا، بأن الأمر الذي بدا جليا خلال المعرض، هو أن عاصفة الركود ولت، ولكن لا تزال هناك سحابة سوداء من بقايا العاصفة تحلق في الأجواء، هذه السحابة باختصار أن الفئات العمرية الأقل من 35 سنة لا تشتري سيارات، بل إن استهلاكها للسيارات يتناقص من عام لآخر، وهذا يمثل مشكلة مستقبلية في منتهى الخطورة بالنسبة لصناعة السيارات في أمريكا. وأشار إلى أن الفئات العمرية الشابة لعبت دورا كبيرا في إنعاش صناعة السيارات الأمريكية، لكن الآن فإن آخر الإحصائيات تؤكد أن من تراوح أعمارهم بين 18 و34 انخفضت مشترياتهم من السيارات بنحو 30 في المائة خلال الفترة 2007 ـــ 2012، والأخطر أن جزءا كبيرا منهم غير مهتم أصلا بالحصول على رخصة لقيادة السيارة، فإذا أخذنا في الاعتبار أن مواليد الفترة 1983 ـــ 2000 هو أكبر جيل في أمريكا، فإنه يحق لصناعة السيارات الأمريكية أن تقلق حول مستقبلها. ولا تقف التحديات عند حدود الفئات العمرية، فقد كشفت دراسة أمريكية أن هناك تراجعاً في عدد الأميال التي يقطعها المواطن الأمريكي بالسيارة سنويا، وخاصة بين الفئات العمرية 18 ـــ 34، التي تراجعت بنحو 23 في المائة خلال الفترة 2009 ـــ 2001. ويفسر الدكتور أنطوني لين أستاذ علم الاجتماع في جامعة نتونجهام لـ "الاقتصادية" هذه الظاهرة ، أنه كي تعرف الإجابة انظر إلى الإنترنت، الأمر باختصار أن الفترة من الخمسينيات حتى أوائل القرن الراهن كان يعني امتلاك الشاب الأمريكي سيارة، أنه يستطيع السفر والتنقل بها والتواصل الاجتماعي مع أصدقائه، ولذلك سعر البترول كان عاملا مهما للغاية بالنسبة للفئات العمرية الشابة في أمريكا، لأن ارتفاع أسعار النفط يعني عدم قدرته على التحرك اجتماعيا للتواصل مع أصدقائه مستخدما سيارته. الآن، بحسب أنطوني لين، الأمر اختلف فأنت تستطيع التواصل مع أصدقائك والتفاعل معهم عبر جلوسك في غرفتك، وأنت تحمل الكمبيوتر الخاص بك وكاميرا ولم تعد في حاجة إلى السيارة، يمكنك أن تشتري كل ما تحتاج إليه عبر الإنترنت دون الحاجة إلى سيارة للذهاب إلى الأسواق التجارية، ويمكنك قراءة الكتب التي تريد، ومشاهدة الأفلام التي تحب دون الحاجة إلى الخروج من منزلك واستخدام السيارة. ومع هذا فإن أنطوني لين يعتقد أن الأمر سيتحسن نسبيا مستقبلا ولكن لن يعود لسالف عهده، وسيقبل الشباب بشكل كبير على شراء السيارات عندما يتعافى الاقتصاد الأمريكي كليا، ولذلك ليس بغريب أن تتحدث صناعة السيارات الأمريكية عن الجيل الجديد من السيارات، حيث الكمبيوتر والموبايل جزء لا يتجزأ من تصميم السيارة. وكان الركود الاقتصادي قد أصاب فئة الشباب في أمريكا أكثر من أي فئة عمرية أخرى، فعلى الرغم من تراجع معدلات البطالة في أمريكا إلى 7 في المائة فإنه بالنسبة لمن تراوح أعمارهم بين 16 و19 عاما تبلغ 20 في المائة، كما أن عديدا من الآباء، من جراء البطالة لم يعد بمقدورهم تمويل شراء سيارة لأبنائهم. ووجدت شركة "فيجين كريتيكل" في دراسة لها عن أهم 25 علامة تجارية بالنسبة للشباب بين 18 و34، أنه لم يتم اختيار أي علامة تجارية للسيارات، ويعتقد البعض أن تزايد ظاهرة المنظمات المعنية بالحفاظ على البيئة وانسياق الشباب وراءها يلعب دورا مهما في تراجع اهتمام الفئات العمرية الصغيرة بعالم السيارات، من جراء الحديث الدائم عن مخاطر تلوث البيئة، إذ يفضل الشباب التحرك بالدرجات أو السير على الأقدام واستخدام المواصلات العامة لقطع المسافات الطويلة. وعلى الرغم من الأزمة التي تشهدها صناعة السيارات الأمريكية مع عدم الإقبال الشديد من الشباب لاقتناء سيارتهم الخاصة، فإن هذا لم يمنع من مواصلة كبريات شركات السيارات في الولايات المتحدة جهودها للمضي قدما للأمام، فنحو 14 شركة من شركات السيارات في الولايات المتحدة جاءت ضمن أكبر 50 شركة في مجال الإبداع خلال العام الماضي، مقارنة بخمس شركات فقط عام 2005، وهو ما يدفع بعض الاقتصاديين للاعتقاد أن مزيدا من الاستثمارات المحلية والدولية ستتدفق خلال الأعوام المقبلة على صناعة السيارات الأمريكية أكثر من أي وقت مضى.