بقلم : أ.د. طلال بن عبدالله المالكي كان مقالي الأسبوع المنصرم بعنوان المبتعثون.. لمثل هذا عُدنا ولمثله تعودون، وقد كان حديثًا من القلب، كوني مبتعثا سابقا، للمبتعثين الحاليين. وبحمد الله لقي المقال من الأخوة والأخوات المبتعثين قبولًا وتجاوبًا يُشكرون عليه. لكن مجموعة منهم تحدّثت عن قضايا وأحداث فردية لبعض المبتعثين وعن معاناة بعضهم.. وطلبوا مني أن أتحدّث عنها، وها أنذا أتجاوب معهم، وأقول لهم كلهم بدون استثناء، في كل بلاد الابتعاث.. انهم في القلب.. هم في القلب من ولاة الأمر الذين رأوا في شباب الوطن الأمل لتحقيق نهضة علمية حقيقية، فلم يكتفوا بجامعات الوطن، ولكنهم يسّروا الابتعاث إلى أرقى الجامعات العالمية، وكنتم أيها المبتعثون روّاد ذلك البرنامج.. هم في القلب من المشرفين المباشرين على عملية ابتعاثهم، وأعني بهم مسؤولي وزارة التعليم العالي ابتداءً من معالي الوزير إلى آخر من يُقابل المبتعثين من موظفي الوزارة من ذوي العلاقة بالابتعاث.. هم في القلب من كل الملحقيات الثقافية التي كُلّفت برعاية شؤونهم، ويؤدي منسوبوها واجبهم بكل حب واقتدار.. لكن من يُحبّك ويضعُك في القلب قد يقسو أحيانا، كما يقول الشاعر: قسا ليزدجروا ومن يك حازما فليقس أحيانا على من يرحم قسوة بمعنى الحزم، منبعها المحبة والحرص على المصلحة، والرغبة المخلصة في أن يتميز المبتعثون.. ولا يخلو الأمر من تقصير، ومن يعمل ويجتهد لابد أن يجانب الصواب.. بعض الأحيان. لن أتصدّى لتفصيلات ما يعانيه بعض المبتعثين، فلذلك طرقه ومساراته النظامية وهم بها أعلم، ولن أبحث في بعض تلك الصعوبات رغبة في الفرقعات الإعلامية، فذلك ليس منهجي!.. ولكن ليثق إخوتي المبتعثون أنهم كذلك في القلب عندي شخصيا.. ولأنهم كذلك، أرجو أن يصغوا لكلمات محب هم عنده في القلب. وسأصطحب معي أقوال شخصية تربوية أحببناها جميعا، ألا وهو الشيخ علي الطنطاوي -يرحمه الله في مقتطفات من رسالة أرسلها لأخيه حين ابتعث إلى باريس قبل عشرات السنين!. يقول الطنطاوي: اعرف قدر نفسك فأنت ابن المجد. ويقول كذلك: فإن أنت عكفت على زيارة المكتبات وسماع المحاضرات وجدت من لذة العقل ما ترى معه لذة الجسم صفرًا على الشمال، ووجدت من نفعها ما يعلّقك بها حتى لا تُفكِّر في غيرها. فعليك بها، استق من هذا المورد الذي لا تجد مثله كل يوم. راجع وابحث وألف وانشر، وعش في هذه السماء العالية، ودع من شاء يرتع في الأرض، ويَغْشَ على الجيف المعطرة، ويهمس كاتبنا قائلا: وعند وصولك لبلد الابتعاث إنك سترى مدينة كبيرة، وشوارع وميادين، ومصانع وعمارات.. فلا يَهولنَّك ما ترى، ولا تحقر حياله نفسك وبلدك كما يفعل أكثر من عرفنا من رواد باريس. ولا تقل: ماذا أستطيع أن أصنع؟ لا تقل: ما يصنع طالب مثلي ضعيف في أمة قوية؟ ويختم رسالته لأخيه، ولكل المبتعثين على مدى السنين قائلا: إنّ في الشرق أدمغة؛ وفي الشرق سواعد، وفي الشرق مال، ولكن ينقص الشرق العلم فاحمله أنت وأصحابك، وعودوا إلى الشرق شرقيين معتزين بشرقيتكم الخيّرة العادلة. واعلموا أنّ مهمّتكم ليست في ورقة تنالونها، قد تُنال بالغش والاستجداء والسرقة.. ولكن مهمتكم أمة تُحْيُونها. هل أحتاج لأكثر مما قال علي الطنطاوي -رحمه الله- قبل عشرات السنين؟! ثقوا أن رحلتكم المباركة فيها الكثير من الإنجازات كما الإخفاقات، والكثير من الأيام السعيدة كما الحزينة.. ولكن هي كذلك الحياة في مجملها، وثقتي أنكم ستعودون مكللين بأكاليل الإنجاز.. فنحن بانتظاركم على أحر من الجمر. تُساهمون في بناء نهضة بلادكم، وتكونون بحق قادة المستقبل المشرق بإذن الله.. وبالله التوفيق. نقلا عن المدينة