في السنوات الماضية، ولا تزال إلى اليوم، تقوم العديد من القنوات التلفزيونية بالبث من خارج المملكة، وقد اتخذ البعض من دبي مقراً له واتخذ الآخرون من القاهرة وعمّان والبحرين مقرات أخرى. إنها عشرات القنوات السعودية التي حظي البعض منها بنصيب لا بأس به من المتابعة، وعدد آخر يراوح مكانه ومهدد بالتوقف فيما شهدت الساحة توقف مجموعة أخرى قامت على العشوائية في التخطيط والتمويل وبالتالي فارقت الحياة وهي في مهدها. هيئة الإعلام المرئي والمسموع تتحدث اليوم عن إنشاء منصة إعلامية كبيرة في المملكة تكون قاعدة قوية لكل قناة ترغب في البث والتحول من دول أخرى إلى المملكة، ولكن السؤال يبقى: هل هناك رغبة جادة لدى القنوات الخاصة التي يملكها سعوديون بالبث من المملكة، أم أنهم وجدوا خارجها بيئة أكثر مناسبة وتسهيلات أكثر شمولاً في النواحي الداعمة الأخرى؟ يقول د. رياض نجم رئيس هيئة الإعلام المرئي والمسموع إنه اتضح للهيئة من خلال دراسة استطلاعية أن ما يزيد على ثلاثين قناة لديها الرغبة في التحول إلى البث من داخل المملكة. وفيما يتعلق بالمعدات والتجهيزات الفنية يؤكد د. رياض أنها ستكون متوفرة لجميع القنوات وبتقنية عالية، موضحاً أن الهيئة تعمل على أن تكون الأسعار للخدمات المقدمة من المنصة مشجعة للقنوات مقارنة بالمنصات المتواجدة خارج المملكة. ماذا بقي علينا إذاً كي نرى قنواتنا تبث من أراضينا؟ الباقي هو الرغبة الأكيدة والصادقة من ملاك القنوات والقائمين عليها في أن يتخذوا من بلادهم مقراً لمشروعاتهم واستثماراتهم، وأن يدركوا أنهم سيكونون أكثر قرباً من الحدث والجمهور المستهدف ومراكز الاهتمام والمتابعة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها. هناك من سيقول إن البث من خارج المملكة يوفر له بيئة رقابية أقل تعقيداً من التي سيعيشها داخل المملكة، وهنا نقول إن الهيئة، لا شك، ستعمل جاهدة على أن تكون أنظمتها وتشريعاتها في متناول وخدمة جميع المشتركين، ولكن لا يعني هذا المطالبة بسقف حرية يتنافى مع الثوابت الدينية والسياسية والاجتماعية التي تقوم عليها المملكة. كم هو جميل أن تستثمر في بلادك، وكم هو جميل أن تساهم في مسيرة التنمية والتوظيف لأبناء بلادك، وكم هو أجمل أن يرتفع لديك إحساس المشاركة في دعم وتطوير كل ما فيه خير هذه البلاد ورفعتها، وأجزم أن وسائل الإعلام والاستثمار فيها ترتفع عوائدها كلما كانت أكثر قرباً من الوطن وهمومه وأشجانه، ومثل هذا القرب لن يتحقق طالما بقيت هذه الوسائل تغرد خارج السرب، لذا فهي مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بالاستفادة من هذه النقلة النوعية للإعلام في المملكة والتسهيلات المقدمة كي تواصل سيرها وتألقها بين أهلها وذويها، وتعود إلى التحليق داخل السرب الذي اعتادت أن تحلق خارجه.