تجدها داخلك في الهواء الذي تتنفسه، في منزلك، في ثلاجتك، في سيارتك، تستوطن جلدك والطريق الذي تمشي عليه. عالم آخر تتمنى أن تتحول نظارتك أو عدسة عينك لمجهر إلكتروني لترى ذلك العالم الخفي، كائنات متناهية في الصغر بدأت معرفتنا بها حين لاحظ البشر تلك الألوان التي تغطي الخضراوات والفواكه والخبز فيسوء طعمها وتتغير رائحتها! فيها تتجلى صورة من صور عظمة الخالق ـــ عز وجل ـــ فالله لم يمنحها جهاز تغذية ذاتي ولكنه عوضها بأقوى جهاز إنزيمي في الكون به تستطيع إذابة وتحليل الأخشاب والجلود والعظام والشعر والدهون. تتعاون الفطريات مع صديقتها البكتيريا في تنظيف الأرض من الحيوانات النافقة وجثث الموتى والنباتات والملابس والنفايات! ورغم أنها تنتج الكثير من المواد السامة والخطيرة إلا أن البشر استطاعوا تحويلها إلى مواد نافعة، انظر مثلا إلى فطر الأسبرجلوس الذي بإمكانه صناعة حمض الليمون المستخدم في التنظيف وحفظ الأطعمة المعلبة بطاقة إنتاج تفوق ما تنتجه أشجار الليمون في العالم كله لو زرع هذا الفطر في غرفة مساحتها 6x6 أمتار فقط! ومنه يصنع البروبيوتين ليضاف إلى أعلاف الحيوانات فيزيد إنتاجها ووزنها ويقوي مناعتها، ومنه أيضا يستخلص أنزيم يذيب الدهون والبروتين والكربوهيدرات، لذلك تجده في صناعة مساحيق الغسيل! ورغم أن منظر العفن مقزز ورائحته عفنة ويستحيل أن تقدم على أكل غذاء فيه عفن، إلا أن العفن الأخضر منه يضاف إلى جبنة الركفورد "الجبنة الزرقاء" الشهيرة لمنحها مذاقا مميزا، هذا غير أنه يساهم في صناعة عديد من المضادات الحيوية! أما الإيشيريشيا كولي التي تكوِّن 80 في المائة من بكتيريا المعدة وتعتبر أحد أهم أسباب التلوث الغذائي وبسببها مات 60 شخصا ألمانيا بعد تناولهم حلبة ملوثة بها إلا أنها تساهم في تكوين فيتامين k الذي يلعب دورا أساسا في تخثر الدم! كما أنها تعتبر مصنع أدوية يتم من خلالها إنتاج أهم دواء في العصر الحالي (الإنسولين) بدلا من الحصول عليه من البقر والخنازير بتكلفه عالية وما يسببه من ردات فعل مناعية ضارة! وفي عالم التجميل تلعب بكتيريا كلوستريدوم بوتولينوم، الذي يسبب شلل العضلات وخصوصا التنفسية فيتوقف التنفس وتحدث الوفاة، دورا مهما في إزالة خطوط الزمن في الوجه وحول العين فيشل العضلات الملساء ويمنعها من الانكماش فتزول التجاعيد ويصبح المرء أكثر شبابا، وقبلها كان يستخدم لعلاج الحول! أما قش الأرز الذي يشكل كارثة بيئية فقد أمكن استغلاله كوسط لزراعة فطر عش الغراب الغني بالبروتينات بكميات هائلة في العام الواحد والمعروف بـ "بروتين الفقراء"!