×
محافظة المنطقة الشرقية

هجمات بروكسل تكشف أزمة في المــــجتمع البلجيكي

صورة الخبر

هل تفضل مشاهدة الأفلام في المنزل أو صالة السينما؟ سؤال يبدو سهلاً للوهلة الأولى، لكن التعمق في التفكير والإجابة عنه لا يقلان صعوبة عن البيئة المناسبة لعرض فيلمنا المفضل، وسط حياة صاخبة في حاجة إلى الهدوء في اختيار أسباب تفضيل المكان. في صالة السينما، تأخذ قرارك بالذهاب وشراء التذكرة واختيار مقعدك (يُستحسن الجلوس بعيداً من الشاشة على عكس المسرح) ثم إغلاق هاتفك المتحرك والعيش في عالم آخر مع مشاهد سينمائية. يكون النظام الصوتي للشريط معداً بعناية، بحيث ستندمج مع كل لقطة بأذنيك، فضلاً عن أن عينيك ستكونان على موعد مع مشاهد صورية لا تخلو من رحلة الألوان والصخب الجميل الذي يرافق كل كلمة تُقال على شفاه ممثل سيبدو قريباً جداً منك بل وملتصقاً بجسدك، ستشعر وكأنك بطل مثله. هذا في ما يتعلق بالصوت والصورة في الفيلم الذي يعرض كل إمكاناته في الصالة الكبيرة التي تأخذ المتفرج إلى عالم آخر من الدهشة والإمتاع والاندماج. لكن السؤال الأهم هو: ماذا لو رأينا الفيلم ذاته في المنزل؟ سواء كانت المشاهدة من طريق الأقراص المدمجة والليزرية CD/DVD أو غيرهما، هناك رحلة طويلة يمر بها الفيلم قبل السماح له بالعرض على الشاشة الفضية، هذا إذا لم يتم اختراقه أو سرقته أو انتهاك حقوق الملكية الفكرية من طريق الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. أما متعة المشاهدة، فلا يمكن ضمانها أبداً، كون الكثير من المؤثرات داخل المنزل كفيلة بالقضاء على المتعة المنشودة، فثمة طفل يبكي، وأصوات الأواني قادمة من المطبخ، وأبواق السيارات لا ترحم من النافذة، وضجيج المكيفات، والإضاءة لا يمكن إطفاؤها داخل المنزل بسهولة أي عدم الوصول إلى حالة الإعتام الكامل، فالنظام الصوتي في التلفزيون قد لا يكون مكبراً خوفاً من إزعاج الجيران أو إحداث اهتزاز داخل البناء... هذه الأسباب الاجتماعية والنفسية والاقتصادية بسيطة وكفيلة بفقدنا متعة حضور فيلمنا المفضل في جو شبيه بالصالة السينمائية، باستثناء بعض تجارب «الفيديو المنزلي» أو «السينما المنزلية» التي تقترب من مفهوم الصالة إلى حد ما، أما الحديث عن «الفشار» والمشروبات الغازية، فيطول. الحكاية لا تتوقف هنا، بل تمتد إلى الوجبات الغذائية التي تقدمها مطاعم الوجبات السريعة أمام الصالات، ولاسيما في المراكز التجارية الكبيرة (المولات)، بغض النظر عن الاتفاق مع هذا الأمر أو لا، كونه يُفسد جزئياً متعة الفيلم على الآخرين، سواء في رائحة الطعام أو الصوت المصاحب. فالفيلم الذي يُعرض على التلفزيون معرض للرقابة في شكل أوسع، لأن التلفزيون موجه إلى الرأي العام أو شريحة اجتماعية أوسع (العائلة مثالاً)، ويوجد أطفال، أما السينما ففيها خاصية الاختيار (ما دمت حضرت بنفسي، يتوجب عليّ تحمل مسؤولية ما أراه وأنسى همومي وروتين عملي). طوال عقود يعيش كل من التلفزيون والسينما في صراع خفي مرة ومعلن مرة أخرى، وعلى رغم أن السينما هي الأقدم، إلا أن التلفزيون استطاع أن يوصل الكثير من الأفلام إلى الجمهور العريض، لكن بخصوصية وتفاعل أقل. ولعل التحدي الأكبر يكمن في الحصول على متعة السينما (صوت، صورة، شاشة كبيرة، صوت عالٍ) داخل المنزل، ولكن هل ستعتاد على المشاهدة من المنزل عادةً أم ستذهب إلى الصالة مغمض العينين وتهرب من واقعك لساعات؟ الآن عليك أن تقارن وتختار؛ شاهد فيلماً سينمائياً في المنزل ثم في الصالة، ووقتها ستتعرف في شكل وافٍ على الفرق بين المشاهدة التلفزيونية والسينمائية. للسينما خصوصية قد تموت على التلفزيون، الذي قد يكون محفزاً على تهميش عناصر وشروط العرض السينمائي وتجاهل مفرداتها الكثيرة، فيما تسير الأحداث رويداً رويداً نحو الخفوت في الإقناع والإمتاع. ومع هذا يستفيد الفن السابع من إمكانات الشاشة الفضية في الانتشار والجماهيرية، كما تستفيد السينما منها، فعلى رغم الصراع بينهما إلا أن الاستفادة و «المصلحة» متبادلة ولا يمكنهما الاستغناء عن بعضهما بعضاً.