اعترف الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بفشله في تحقيق أي من وعوده بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، عندما صرح، في محاضرة بالأرجنتين، بأنه يتوقع أن يستمر في العمل في سلام الشرق الأوسط، بعد أن يغادر منصبه في يناير/كانون الثاني المقبل، لكنه لم يسأل نفسه عن الهدف الذي عجز عن تحقيقه، وهو رئيس للولايات المتحدة، ويمكن أن ينجزه عندما ينسحب إلى الظل. الواضح أن أوباما، وعلى عادة أغلب الرؤساء الأمريكيين من الحزب الديمقراطي، يريد أن يظل تحت الأضواء بعد مغادرة البيت الأبيض، حتى لا ينساه الناس، ولا يتحول إلى مجرد عهد ماضٍ. كذلك فعل الرئيس الأسبق جيمي كارتر، وبعده بيل كلينتون، اللذان تحولا إلى ناشطي سلام، وسفيري سلام، إلى مختلف الأزمات. وفي عهديهما في السبعينات والتسعينات من القرن الماضي، لم تغب القضية الفلسطينية عن سياستيهما، فقد نجح كارتر في توقيع اتفاق بين مصر وإسرائيل، في منتجع كامب ديفيد، استطاع معه أن يحوز لقب مهندس السلام، وأن يستثمر ذلك اللقب عشرات السنين، وكذلك حاول كلينتون دفع الفلسطينيين وكيان الاحتلال إلى توقيع اتفاق سلام في المنتجع ذاته، وقبل أن يضيع منه ذلك الإنجاز، شهدت بداية عهده توقيع اتفاق أوسلو المثير للجدل. أمّا الديمقراطي الحالي، أوباما، فهو أفشل من سابقيه في هذا الملف تحديداً، فقد ذهبت وعوده أدراج الرياح، وداستها حكومة التطرف بقيادة بنيامين نتنياهو، التي انتهجت سياسة متحدية لتلك الوعود بالاستيطان، والإمعان في تجاهل كل تلك الاتفاقيات. لو كان أوباما يريد فعلاً أن يخدم القضية الفلسطينية عليه أن يكشف، ولو بعد تقاعده، أسباب عجزه عن تحقيق وعده بإقامة الدولة الفلسطينية، ويفضح نتنياهو وزمرته ودورهما، في إحباط المساعي التي بُذلت لإيجاد حل مبدئي عادل، ينصف الشعب المظلوم. لكن مثل هذا الدور صعب على أوباما لأنه أمر ممنوع صهيونياً ومحظور في السياسة الخارجية الأمريكية. وعليه فإن أكثر شيء يمكن أن يفعله هو إقامة معهد للسلام أو خوض مبادرة شخصية يستثمر فيها سنوات من عمره، جيئة وذهاباً بين واشنطن والشرق الأوسط، ينهيها بكتابة مذكرات عن جهاده من أجل السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، مثلما فعل قبله كارتر في كتابه فلسطين سلام.. لا أبارتيد، الذي صدر عام 2006، وأحدث ضجة كبيرة وغضباً لدى اللوبي الصهيوني. ومع كل الحقائق التي كشفها ذلك الكتاب لم تتغير السياسة الأمريكية أو الصهيونية بشأن إذلال الشعب الفلسطيني ومصادرة حقوقه الوطنية والتاريخية. كتاب كارتر لم يأت بجديد في وقته، لكنه قدم شهادة تحتاجها مذكرات النضال الفلسطيني، وربما كذلك سيفعل أوباما، وهو القانوني والمثقف، في وقت لاحق من عمره. وإذا كان الرئيس الأمريكي لا يستطيع أن يفعل شيئاً جوهرياً بحكم ضوابط مؤسسة الحكم الأمريكية والتزامها بدعم كيان الاحتلال، وأقل ما يفعله هو الاعتراف بأي أمر يتجانس مع قناعاته الشخصية. واعترافات المسؤولين الأمريكيين، والرؤساء منهم، تعتبر وثيقة متميزة لأنها تتضمن مواقف تساعد على بناء رأي عام دولي أصبح يتفاعل بإيجابية أكثر من السابق مع الحقوق الفلسطينية. وفي ضوء ما يتم تداوله وتسريبه عن تراجع للدور الأمريكي في الشرق الأوسط، فإن الكيان، الذي يتسابق المرشحون للرئاسة الأمريكية في تقديم فروض الولاء والطاعة إليه، ربما سيأتي اليوم الذي لن تنفعه فيه واشنطن بأي شيء، إذا كانت هناك نخبة أمريكية بدأت تشعر بهذا العبء وتتأفف منه. وهذه الحقيقة المتوارية في رحم الغيب، ليست أمنية، بقدر ما هي نتيجة منطقية للسيرورة التاريخية وللتحولات الدولية الكبيرة الجارية على مختلف الجبهات. chouaibmeftah@gmail.com