«وجع اليد الواحدة يؤلم من الجهتين». هذا ما قاله مستشار إدارة غرب آسيا وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الصينية، شياو جيونتشينغ، رداً على سؤال لـ «الحياة» عن موقف بكين من النزاعات في الشرق الأوسط اليوم، مشدداً على أن كل دول المنطقة «صديقة لنا، ما يعني أن مشاكلها المتشابكة تزعجنا وتحرجنا جداً وسط تعقيدات عدم إعطاء أولوية للحل الديبلوماسي الذي ننشده فوق كل اعتبار، والتسامح المهم لإيجاد قواسم مشتركة ضرورية لحوار بناء وفاعل». الحقيقة أن وجع «اليد الواحدة» للصين يرتبط بكونها المستورد الأول للنفط الخام من دول المنطقة، وهو ما لم يخفه رئيس غرفة العمليات المركزية لشركة «سينوبيك» للنفط التي تملكها الدولة، من خلال شكره دول الشرق الأوسط وخصوصاً العربية «لأنها تجعلنا نعمل ونزدهر». وكشف رئيس الشركة وانغ يوبو، أن الصين احتاجت إلى 32 مليون طن إضافي من النفط الخام لتلبية احتياجات نموّها المتزايد العام الماضي، و «الذي لن يتوقف في الأعوام المقبلة»، علماً أن السعودية كانت أكبر مصدّر للنفط الخام الى الصين العام الماضي بـ50 مليون طن. وفي تأكيد لأهمية صداقات الصين في منطقة الخليج، شدّد شياو على أن الزيارة المزدوجة التي أجراها الرئيس الصيني شي جينبينغ، الى السعودية وإيران في كانون الثاني (يناير) الماضي، «لا يمكن أن ينفذها الرئيس الأميركي باراك أوباما في جولة واحدة». وهي أثمرت توقيع اتفاقات نفطية مهمة، أحدها بين «سينوبيك» و «أرامكو» السعودية، وتعزيز الأعمال في مصفاة ينبع التي تملك «سينوبيك» 37 في المئة من أسهمها. كما أفضــــت الزيارة المزدوجـــة الى اتــــفاق بيـــن الصين وإيـــران على زيادة التبادل التجاري الى 600 بليون دولار خلال 10 سنوات، والذي يعتبره مسؤول الخارجية الصيني «نتيجة للجهود الكبيرة التي بذلتها بلاده للتوصل الى الاتفــــاق النووي الذي أبرمتـــه إيران مع مجموعة الدول الست الكبرى العام الماضي، ووُضع قيد التنفيذ مطلع السنـــة الحاليـــة»، مشدداً على «أهمية الحل الجماعي للقضــايا الدولية، في حين لم يكن مفيداً تحرك الولايات آحادياً في الأشهر الأخيرة لحل الملف الفلسطيني – الإسرائيلي». وأعقب الزيارة تدشين أول رحلة شحن بالقطار بين الصـين وإيران في منتصف شباط (فبراير)، في إعادة لـ «طريق الحرير» التاريخية التي يأمل البلدان بأن تبلغ أوروبا مستقبلاً، قبل أن تعلن مجموعة «غاك» لصنع السيارات التي تتخذ من مدينة غانغوهو مقراً، أنها تريد أن تُنشئ مصانع لها في إيران وروسيا لتحضير الفورة الكبيرة المتوقعة في الطلب على سياراتها. وكانت المجموعة باعت 55 ألف سيارة في الشهرين الأول والثاني من السنة الحالية، في زيادة 4 مرات عن الفترة ذاتها في العام الماضي. ورأى شياو أن الاتفاق النووي الإيراني «عامل إيجابي على المدى البعيد لتحقيق الاستقرار والسلام في منطقة الخليج الحيوية للصين، خصوصاً أنه يمنح طهران فرصة الانضمام الى المجتمع الدولي وتحسين علاقاتها ودورها في مكافحة الإرهاب والتطرف»، وهو ما تشكك فيه دوائر غربية عدة ويجعلها غير راضية عن أي تقارب اقتصادي صيني – إيراني. واللافت هنا، أن تقارب البلدين الذي يشمل مجالات عدة ساهم دائماً في تقليص تأثير العقوبات الدولية في طهران، بدءاً حتى بتلك الخاصة بمنع استيرادها أسلحة بعد نشوء الجمهورية الإسلامية عام 1979، وصولاً الى مرحلة استهداف البرنامج النووي المثير للجدل لإيران، فهدف بكين الدائم هو تأمين الأموال للشعب مع تطبيق سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية بين الدول وتجنّب النزاعات، ما جعلها أيضاً، على رغم تناقضات المواقع والتصرفات، على علاقة جيدة جداً بالغرب نفسه. وقد تستمر هذه الحال اليوم على رغم التعقيدات الكبيرة لصراعات الشرق الأوسط، لكن الغربيين باتوا أكثر تخوفاً من تصاعد نفوذ الصين في العالم، ما يحتّم وضعهم أي تقارب لها في خانة المراقبة الشديدة.