أنت محظوظ إذا لم يتم تصنيفك بعد بأحد هذه المسميات: داعشي، رافضي، وهابي، إخواني، جامي، علماني، ليبرالي، متصهين، تغريبي، زائر سفارات... والقائمة تطول.. والمضحك والمحزن في آن أنك قد تُصنف بأكثر من واحدة!! هذه التصنيفات الأيديولوجية ظهرت في مجتمعنا مؤخرا وزادت حدتها مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي. ويُلجأ للتصنيف الأيديولوجي ليسهل الهجوم على الطرف الآخر، وللأسف أن الغالبية يجهل أساس هذه التصنيفات وتبعاتها وماذا تعني ولكنه ينساق خلف هذا الصراع ! وهي حالة مرضية تسود بعض أطياف المجتمع، وتدخل ضمن التنابز بالألقاب. وهي باب واسع لتأصيل الطائفية والمناطقية والقبلية ووضع كل فرد في هذا المجتمع في قالب أيديولوجي يصعب تحريره منه. وقد تستخدم مرة لمحاولة إلصاق تهمة محاربة الخصم للدين تصل للتكفير ومرة أخرى تهمة معاداة الخصم للدولة حتى تصل إلى إلصاق تهمة الخيانة الوطنية. وهذه التصنيفات ليس لها أي علاقة بثقافة الاختلاف ولا تخلق مناخا فكريا أو تنويريا يستفيد منه المواطن، بل على العكس هي تزيد من فجوة الخلاف بين أبناء المجتمع الواحد تصل فيه إلى مرحلة الاستقطاب. واستخدامها لدى البعض يخفي خلفه الكثير من المعاني السلبية ولهذا يسهل استخدامها ضد الخصم ظنا منه أن ليس هناك تبعات قانونية تلحق به. وخطورتها أنها تشيع ثقافة الكراهية ناهيك عن أنها العدو الأول للحمة الوطنية وسبق وصدر تحذير من الدولة حول هذه التصنيفات ولكن لم يلتزم به أحد. ومع الأسف هذه الصراعات أهلكت واستهلكت الكثير من الجهد والوقت وأعاقت الكثير من الاستحقاقات الوطنية. نحن لا نصنع فكرا نيرا بهذا الجدل ولكننا نسوق وهما أيديولوجيا يقوده للأسف ثلة من مثقفينا في حرب يعتبر الجميع فيها خاسرا. يقول إدريس جنداري «مثقفو التزييف.. من صناعة الفكر إلى ترويج الوهم الأيديولوجي»: «إن الصراع الجاري؛ اليوم في جوهره؛ صراع أيديولوجي فج فاقد لروح الفكر والقيم إنه بتعبير أوضح صراع بين مثقفي التزييف بمختلف انتماءاتهم الأيديولوجية. فهم يمارسون تزييفا مضاعفا حينما يقدمون أنفسهم ناطقين رسميين باسم منظومات فكرية وقيمية تتجاوز بكثير إطاراتهم الأيديولوجية المنغلقة». أصبح المجتمع في حالة تجاذب من قبل جهتين، جهة تأخذه إلى أقصى درجات التشدد، وأخرى تأخذ به إلى أقصى مراحل الانفلات، بينما تتعرض حاجات المواطن الملحة إلى الإقصاء المتعمد وتدفن مطالبه الحقيقية. وأخيرا إذا لم يعمل مثقفونا جميعا على توظيف جميع إمكاناتهم الفكرية والثقافية في الطريق الصحيح لدعم التنمية الاجتماعية وتشكيل أرضية صلبة تستجيب لأي مشروع تنموي حقيقي فإن الخاسر في الأول والأخير هو الوطن والمواطن. كما أن ترك الباب مفتوحا للتزييف الفكري وتوجيه المجتمع وقيادة الرأي العام لأجندات أيديولوجية خاصة سيورط المجتمع في جدل فارغ لا يخدم أحدا، بل يهدم وعلى رأس هذا الهدم هو اللحمة الوطنية. تغريدة: لدينا قوة تدمير ذاتية لا نحتاج فيها إلى عدو؛ فنحن نحتاج العدو فقط لنضع اللائمة عليه كنوع من راحة الضمير.