رغم الانتقادات التي طالت الحكومة الجزائرية خلال العامين الأخيرين بشأن عزمها استغلال احتياطي البلاد من الغاز الصخري، فإن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أعطى الضوء الأخضر لوزارة الطاقة بمباشرة استكشاف واستغلال هذا الغاز الذي يعتبر البعض طريقة استخراجه مدمرة للبيئة. وخلال عرض مخطط الحكومة أمس على نواب البرلمان، كشف الوزير الأول (رئيس الحكومة) عبد المالك سلال أن الجزائر قررت البدء باستغلال الغاز الصخري، باعتبار بلاده تمتلك ثالث احتياطي عالمي يقارب عشرين ألف مليار متر مكعب، أي خمس مرات احتياطي الغاز التقليدي. وأوضح سلال بأن كل الدراسات تثبت أنه بحلول 2030 لن تستطيع الجزائر مواصلة تصدير الغاز، وستستطيع فقط تلبية حاجاتها المحلية في حال عدم استغلال الغاز الصخري. القرار أعاد للواجهة جدلا العام الماضي إثر تصريحات أدلى بها زعيم اليسار الفرنسي جون لوك ميلونشون خلال محاضرة ألقاها بالمركز الثقافي الفرنسي بالجزائر العاصمة، حينما طالب الجزائريين بعدم السماح لباريسباستغلال غازهم الصخري، وتحدث عن اتفاق بين البلدين يقضي بالسماح للشركات الفرنسية بإجراء بحوث وتجارب الاستكشاف داخل الأراضي الجزائرية، بعد رفض البرلمان الفرنسي مشروعا للحكومة يقضي بإجراء التجارب بالأراضي الفرنسية. وبرزت عشرات الصفحات المنددة بالقرار على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال تنظيم حملات لجمع التوقيعات الرافضة للقرار، أهمها عريضة بموقع يحمل اسم "حملات المجتمع" تقول تحت عنوان "نطالبكم بوقف استخراج الغاز الصخري" بأن استخراج الغاز الصخري يحتاج لضخ كميات هائلة من المياه بأماكن وجود الغاز الصخري، حيث يتسرب الماء الذي يتفاعل مع الكيميائيات، ويصبح بعد ذلك ساما حيث يختلط مع المياه الجوفية والسطحية ويسبب أضرارا كبيرة للبيئة، إلى جانب تلف في خصوبة طبقة الأرض، وإحداث فجوات بطبقات الأرض التي تتسبب لاحقا في انكسارات وتصدعات مضرة. أضرار واعتبر رئيس حركة مجتمع السلم (إسلامي معارض) بحديثه للجزيرة نت أن الحكومة ليس من حقها أن تتخذ هذا القرار "الخاطئ والجد خطير". ولفت عبد الرزاق مقري إلى أن اتخاذ مثل هذا القرار يحتاج نقاشا مجتمعيا، وأكد أن استغلال الغاز الصخري سيلحق أضرارا كبيرة بالبيئة. عبد الرزاق مقري: اتخاذ القرار باستغلال الغاز الصخري يحتاج إلى نقاش مجتمعي (الجزيرة نت) وردا على مبررات رئيس الحكومة بكون الجزائر مجبرة لا مخيرة في ذلك،حمل مقري الحكومة مسؤولية فشلها في خلق مصادر للثروة خارج المحروقات، وتساءل "ماذا فعلت بثمانمائة مليار دولار أنفقتها خلال 15 سنة الأخيرة على برامج التنمية؟". ويتابع "الحكومة تريد إدخالنا في ريع الغاز الصخري بعد أن شارف ريع البترول على الانتهاء". وفي تقديره، فإن الغاز الصخري لن ينفع الجزائر لأن كل دول العالم تمتلك احتياطيات خاصة بها، وحينما تتحكم هذه الدول في آثاره السلبية على البيئة سيصبح الغاز الصخري دون أية قيمة. لكن الخبير النفطي عبد المجيد عطار -الذي شغل سابقا منصب وزير الموارد المائية ورئيس مدير عام شركة سوناطراك النفطية- دافع بشدة عن قرار الحكومة، مؤكدا للجزيرة نت أن الجزائر مجبرة على الشروع الآن في عملية استكشاف وتقييم احتياطها من الغاز الصخري، لأن الدراسات والبحوث والتجارب بهذا الجانب تستغرق عدة سنوات، ومن المستحيل بداية استخراج الغاز الصخري قبل 2030. وكشف أن احتياطي الجزائر من الغاز التقليدي سيغطي فقط السوق المحلية عام 2030 لأن حجم الاستهلاك سيتضاعف، وستحتاج الجزائر حينها إلى ستين مليار متر مكعب من الغاز للسوق المحلية فقط، وإذا لم يتم استكشاف احتياطيات جديدة فستعاني الجزائر من عجز. أمن الطاقة ولفت عطار إلى أن التصريح الذي منحه مجلس الوزراء لوزارة الطاقة ليس الهدف منه تطوير وتنويع مداخيل الاقتصاد خلال الفترة الراهنة، لكن الهدف منه تحقيق أمن الطاقة لما بعد 2030. وبخصوص تخوف البعض من آثار هذا الغاز على البيئة، أكد أن كل الصناعات لها آثار سلبية على البيئة بما في ذلك الصناعة النفطية، لكن الجزائر برأيه تختلف عن فرنسا لأنها ستقوم بعمليات الاستكشاف بالصحراء فـ"هناك لا يوجد لا إنسان ولا حيوان ولا نبات". وقال أيضا إن كميات الماء التي ستستعمل في عمليات الاستخراج قليلة مقارنة بتلك التي تستعمل بالزراعة، موضحا أن حفر عشرين ألف بئر يحتاج لنصف مليار متر مكعب، والجزائر لها احتياطي يتجاوز 45 ألف مليار متر مكعب تحت الأرض. وأكد الخبير النفطي أن الحكومة ستراقب الشركات وستجبرها على الالتزام بشروط ومعايير الحفاظ على البيئة.