«صبرت صبر الحجر في مدرب السيل وأعظم»، هذا ما تقوله أغنية يمنية شهيرة. فعلى رغم التطور التكنولوجي الذي تشهده المجتمعات البشرية ما زالت الحجارة تعد رمزاً للصلابة والثبات ومادة للرسم والتدوين. ومن خلال الكتابة على الحجر حافظ الانسان القديم على تراثه الثقافي وجسد تاريخ امتداده عبر الزمن، وما انفك الانسان اليمني يولي أهمية كبيرة للحجارة سواء من خلال استخدامها في البناء أم اتخاذها موضوعاً فنياً وجمالياً. ومنذ الملكة بلقيس ملكة سبأ الى عهد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، ظل الحجر فضاء تمايز اجتماعي وسياسي. ويشكل نحت الحجارة وزخرفتها مكوناً جمالياً في فن العمارة اليمنية. ويعمل في هذا المجال مئات اليمنيين ممن توارثوا هذه المهنة عبر الاجيال وفق ما يقول لـ «الحياة» عبد الولي حسان مدير «معمل الحكمة اليمانية لنحت وزخرفة الحجارة» الذي ورث المهنة عن والده. ويشير حسان الى ما لا يقل عن 85 متخصصاً في فن نحت الحجارة وزخرفتها يعملون في معمله هاجروا الى السعودية بسبب التعطل الذي اصاب المهنة منذ اندلاع الحرب الاهلية في البلاد. ويمثل قصر غمدان وكرسي بلقيس اقدم النماذج تجسيداً لفنون العمارة اليمنية التي ما فتئت تعكس التفاوت الطبقي والاجتماعي من خلال نمط البناء وتزيينه، وساكن القصر غير ساكن الكوخ، وفق ما تقول اغنية يمنية بعنوان» الحب والفقر». ووفق الباحث ياسين غالب، شكلت الحجارة أداة للتدوين الملوكي الرسمي في الدولة اليمنية القديمة، من خلال الخط النحتي المعروف بخط المسند مقابل خط الزبور وهو خط المعاملات الشعبية ويكتب على اعواد الخشب والبردي. ولئن أدى ظهور الاسلام الى تحريم التماثيل، بيد أن النحت على الحجر وزخرفته ظلا فناً قائماً تعكسه انماط العمارة اليمنية. وتقدم قصور الائمة الزيديين في الشمال وقصور السلاطين في الجنوب مثالاً للتفاوت الطبقي الذي ظل بارزاً بشدة حتى ستينات القرن العشرين من دون أن ينتهي تماماً. وتظهر صور التقطت لقصر الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذي سيطرت عليه المقاومة الشعبية في تعز وقصور عائلة بيت الاحمر التي استولت عليها ميليشيا الحوثيين في صنعاء، استمرار اهتمام النخب الحاكمة بنمط سكنها من حيث الفخامة والزخرفة. ويبدو مسجد الصالح في صنعاء الذي بناه الرئيس المخلوع لوحة فنية ونموذجاً لمدى اهتمام الحكام بالمنشآت الدينية والحربية التابعة لهم او التي تحمل اسماءهم. وتمول تركيا مشاريع ترميم لمبان تركية في اليمن تعود الى حقبة الاستعمار التركي للبلاد كما انتشرت في عهد الرئيس السابق البوابات الحجرية الفخمة، خصوصاً في المباني الحكومية مثل دار الرئاسة وجامعة صنعاء. ويشتهر اليمن بوفرة الحجارة وجودة أنواعها. ووفق عبد الولي حسـان، يعتبر «الهيلاني» و«الجهراني «و «الحبش»، من اجود انواع الحجارة وأكثرها ملاءمة للنحت والزخرفة. ويوضح أن متوسط كلفة النحت والزخرفة على المتر المربع من الحجر حوالى 200 دولار، مشيراً الى أن معمله ينفذ مختلف انواع النقوش والزخرفة وفق طلب الزبائن باستثناء ماهو محرم مثل التماثيل. ويشكل الحزام اليمني بخطوطه المتكسرة وهو صف من الحجارة الملونة يزين وسط المبنى وأعلاه لازمة جمالية للعمارة اليمنية، اضافة الى القمرية الزجاجية الملونة التي تعلو كل نافذة، وكذا البوابات الحجرية والخشبية المزخرفة. غير أن باحثين يقللون من اهمية فن العمارة اليمنية المعاصرة قياساً بفن العمارة القديمة. ويأمل ياسين غالب بأن تؤدي التنقيبات الى كشف مزيد من المعلومات عن حياة الناس البسطاء وفنونهم. ويقول لـ «الحياة» إن ما كشفت عنه التنقيبات مازال محدوداً وكثير منه يجلي جوانب الحياة الملوكية الرسمية. ويذكر أن حوالى 5 آلاف قطعة من خط الزبور مودعة في المتحف الوطني في صنعاء معظمها لم يترجم حتى الآن. وتأمل الحكومة اليمنية بأن يشكل تصدير الحجارة مورداً اقتصادياً، ويقدر حجم احتياطي اليمن من ثروة الحجارة بـ 95 مليون متر مكعب، من الصخور البركانية، وتضم التف والبازلت والجمبرايت، وأكثر من 200 مليون متر مكعب من الغرانيت والجابرو وحوالى بليون متر مكعب من الرخام.