بعد نحو 10 أيام من توجيه الاتحاد الأوروبي، رسالة متشددة تجاه مصر على خلفية حادثة مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني مطلع شهر فبراير (شباط) الماضي، تزايدت التساؤلات حول حجم التأثير الاقتصادي الممكن في حال تصعيد موقف الاتحاد الأوروبي ضد القاهرة، خاصة أن إيطاليا تعد الشريك التجاري الأول لمصر على مستوى الاتحاد الأوروبي. ورغم حدة لهجة رسالة الاتحاد الأوروبي، والتي اعترضت عليها مصر، فإن بيان الاتحاد تضمن بندا هاما في طياته يؤكد على «أهمية تعاون الاتحاد الأوروبي مع مصر كجارة وشريكة هامة، وللدور الذي تلعبه في تأكيد الاستقرار بالمنطقة». وهو الأمر الذي يدلل بحسب كثير من المراقبين السياسيين والاقتصاديين على أن البيان لا يتجاوز غرض «الضغط السياسي»، ليصل إلى «التعويق الاقتصادي». وتشير الأرقام الرسمية إلى أن حجم التجارة الثنائية بين القاهرة وروما بلغ العام الماضي نحو 5.2 مليار يورو (نحو 5.86 مليار دولار)، بما يعادل 6 في المائة من تجارة مصر مع العالم، وذلك بحسب ماوريتسو مساري، سفير إيطاليا لدى القاهرة. وهي أرقام تؤكدها نظيرتها الرسمية المصرية، والتي تشير إلى أن إيطاليا هي الشريك التجاري الأول لمصر على مستوى الاتحاد الأوروبي والثالث على مستوى العالم، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 5 مليارات و180 مليون يورو خلال عام 2014. مقارنة مع 4 مليارات و702 مليون يورو فقط في عام 2013. وبحسب مصادر رسمية في وزارة التجارة المصرية، تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن العلاقات الثنائية لم تتأثر بأي شكل حتى الآن، خاصة أن الاستثمارات الإيطالية تمثل جانبا كبيرا من الاستثمارات الأجنبية في مصر، وأي تأثر لمثل هذا الحجم من الاستثمارات كان سيظهر أثره واضحا على الفور. وتحتل إيطاليا المرتبة الخامسة في قائمة أكبر الدول المستثمرة في مصر. فيما يعتزم البلدان رفع حجم التبادل التجاري ليصل إلى 6 مليارات يورو (6.76 مليار دولار) خلال عامين، بما يشمله ذلك من تذليل كافة العقبات لتسهيل حركة التجارة البينية، وزيادة الصادرات الزراعية المصرية إلى إيطاليا، وأوروبا، عبر دعم مبادرة التجارة الخضراء، إلى جانب دراسات إنشاء خط ملاحي سريع يربط الموانئ المصرية والإيطالية. كما تبدي إيطاليا اهتماما كبيرا بالكثير من المشروعات داخل مصر، من خلال مشاركتها في تنفيذ الكثير من المشروعات القومية الكبرى التي تستهدف الحكومة المصرية تنفيذها، خاصة في إطار تنمية محور قناة السويس، إلى جانب مشروعات في مجال البتروكيماويات ومكونات السيارات والمشروعات الصغيرة والمتوسطة. وبحسب الجانبين المصري والإيطالي، تتوزع الاستثمارات الإيطالية في مصر على عدة مجالات، منها نحو 1.5 مليار دولار تخص أكثر من 900 شركة، في مجالات الصناعة والخدمات والتمويل وتكنولوجيا المعلومات والمقاولات والزراعة بشكل رئيسي. إلى جانب الاستثمارات في مجالات الغاز، والتي تشمل شركتي «إيني» المشاركة في اكتشاف حقل «ظهر»، وشركة «إديسون» في منطقة أبو قير، بما يصل بحجم الاستثمارات الإجمالي إلى نحو 9 مليارات دولار. ومنذ حادثة الشاب الإيطالي الذي تعرض للقتل في العاصمة المصرية، أثيرت الكثير من التكهنات حول الأثر الممكن لتبعات الحادثة على العلاقات المصرية الإيطالية. لكن أغلب التصريحات الرسمية والخبراء الاقتصاديين يؤكدون أن العلاقات لن تتأثر بسهولة بتلك الحادثة، خاصة أن ملابساتها ما تزال غامضة حتى الآن، والتحقيقات تمضي في طريقها حتى اللحظة. من جانبه، تعهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صراحة بتقديم الجناة للعدالة، وذلك في إطار حديثه لصحيفة «لاريبوبليكا» الإيطالية واسعة الانتشار نهاية الأسبوع الماضي، مشيرًا إلى العلاقات الثنائية المتميزة التي تجمع بين البلدين، ومنوهًا إلى أن إيطاليا تعد الشريك التجاري الأول لمصر على مستوى القارة الأوروبية، فضلاً عن توافر الكثير من مجالات التعاون المشترك. وبينما شككت تقارير غربية في وجود «بوادر تأثير» للحادث على العلاقات، أشار الجانب الإيطالي بدوره إلى قوة ومتانة العلاقات الثنائية، وهو ما عكسه اتصال هاتفي من وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني بنظيره المصري سامح شكري مساء أول من أمس، حيث تناولا مسار العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها. وبحسب المتحدث الرسمي للخارجية المصرية، أعرب جينتيلوني عن ارتياحه للتعاون القائم بين البلدين فيما يتعلق بمتابعة التحقيق في حادث مقتل ريجيني. وفي معرض حديثه لـ«لاريبوبليكا»، أكد السيسي ترحيب مصر بالاستثمارات الإيطالية على المستويين الرسمي والشعبي، مشيرًا إلى الاعتزاز بعلاقات العمل والتعاون مع شركة «إيني» الإيطالية التي تعمل في أحد أهم المجالات بالنسبة لمصر وهو مجال الطاقة الذي يعد ضروريًا لنمو جميع القطاعات الاقتصادية في الدولة. ومساء أول من أمس، نشر تقرير في «وول ستريت جورنال» يشير إلى نية «إيني» الانسحاب من مصر، من خلال بحثها عن بيع حقوق تعاقدها في حقل «ظهر» قبالة السواحل الشمالية المصرية، لكن مصدرا مسؤولا بوزارة البترول المصرية نفى لـ«الشرق الأوسط» صحة هذه المعلومة، مدللا على ذلك بعقد اجتماع صباح أمس برئاسة وزير البترول المصري، بين اللجنة العليا المشكلة من هيئة البترول والشركة القابضة للغازات الطبيعية (إيغاس) وشركة بتروبل وشركة إيني الإيطالية، وذلك في إطار متابعة أوجه مراحل مشروع تنمية حقل ظهر ومراجعة الإجراءات اللازمة لتنفيذ أعمال تنمية الحقل وفقًا للبرنامج الزمني المخطط. وأكد المصدر أن تلك الشائعات تهدف إلى محاولة وضع العثرات في طريق العلاقات الثنائية بين مصر وإيطاليا، مشيرا إلى أن الاجتماع استعرض الموقف التنفيذي للمرحلة الأولى من مشروع «ظهر»، ومعدلات التقدم في أنشطة حفر الآبار التنموية في منطقة امتياز «شروق» بالمياه العميقة بالبحر المتوسط، والنتائج الإيجابية لحفر البئرين «ظهر1» و«ظهر2» والوصول للطبقة الحاملة للغاز، وتقييم البئر واختباره.. وموضحا أن نتائج الاختبارات أظهرت مؤشرات إيجابية. وأشار المصدر إلى أن شركة إيني مستمرة في عملها في مصر، وأن أدريانو مونجيني رئيس الشركة الدولية الإيطالية للزيت، وأنطونيو فيلا رئيس أنشطة البحث والاستكشاف، وروبرتو كاسيولا رئيس أنشطة التنمية والعمليات والتكنولوجيا، الذين حضروا الاجتماع أمس مع وزير البترول من جانب شركة إيني، ناقشوا الخطط المستقبلية لأعمال الحفر والاستكشاف، بل وأيضا خطط ضخ الشركة لنحو 4 مليارات دولار في المشروع خلال العامين الماليين 2015-2016 و2016-2017. بما يعني عدم وجود خطط لدى الشركة للمغادرة، مؤكدا أنهم لم يبلغوا الجانب المصري بأي نية لذلك، ولو كانت هناك أي أفكار حول ذلك لأبلغوا الشريك المصري.