الفنانة التشكيلية مريم الزدجالية ترى أن الدنيا ألوان، وكل منا ينظر إليها وفق اللون الذي يروق له، وهي تؤكد أن الألوان لها مضامين ورؤى أخرى غير التي اعتدنا عليها، فالأصفر اذا كان يرمز للغيرة والحسد مثلا، فإنه مثال للجمال أيضاً، وهي توضح أن هاجسها الفني حالياً أن تكون سفيرة تشكيلية لسلطنة عمان، وتجوب مدن العالم مستقبلا لكي تعرض التراث العُماني في لوحات تشكيلية، وترى أن التشكيل العماني رغم عدم مواكبة الحركة النقدية له، إلا أنه متفرد وله طابعه الخاص، فيما يلي حوار الخليج مع مريم الزدجالية: } تبدو العلاقة بينك وبين الفن التشكيلي جدلية وقديمة، متى بدأت جذوة الفن التشكيلي عندك؟، وكيف ساهمت نشأتك الأسرية والدراسية في صقل تلك التجربة؟، وما أهم المحطات في تجربتك الفنية؟. - بدأ هذا الارتباط الحسي الذاتي بالفن، عند وعي العقل بوجود فكرة الحياة وأهميتها، وظهرت هذه العلاقة جلية عند قيام العقل بتسجيل الظواهر المرصودة بفعل البيئة المحيطة، وجسدتها الذاكرة فأتت على شكل خربشات طفولية ثم مرت بمراحل التطور العديدة، فأخذت تنمو رويدا رويدا تحت تأثير البيئة المدرسية، منطلقة من المرحلة الابتدائية للإعلان عن بداية حبي للفن التشكيلي، فكانت انطلاقة الموهبة من خلال لوحة بعنوانالأمومة، ثم جاء دور الوعي الاجتماعي باحتضان هذه الموهبة ليتكفل برعايتها وعنايتها من خلال ادخار الأجواء الملائمة لنضوجها، فترك ذلك كله تأثيراً عميقاً في نفسي. بعد ذلك، بدأت مرحلة جدية في اقتحام عالم الفن التشكيلي، من خلال التحاقي بمرسم الشباب في عام 1980م، وكانت تلك الانطلاقة أهم محطاتي الفنية في حياتي. ثم تلتها محطات أخرى ذات أهمية كبرى في مشواري الفني، بعد عملي في الجمعية العمانية للفنون التشكيلية ودراستي لعلم النفس والفلسفة، ودراستي العليا في مجال إدارة الفنون، وكان هذا هو العالم الذي شكل تكويني الثقافي والمعرفي والإبداعي. } ما هو تقييمك للحركة التشكيلية في عمان الآن، ازدهار أم ركود؟ وماذا عن الحركة النقدية، هل تواكبها أم هي متخلفة عنها؟. - الحركة التشكيلية العمانية حققت نجاحا ملموسا سواء من حيث الكيفية أو المستوى الفني للتشكيليين العُمانيين والموضوعات التي يطرحونها. ومقارنة مع السنوات الماضية نجد أن هناك نوعا حالة ما، يمكنني أن أصفها ب (المد والجزر)، وأعتقد أن هذه نتيجة لبعض الظروف التي لها مسبباتها، ولا أريد النقاش حولها، ولكن بوجه عام هناك جهود كبيرة واهتمام من قبل الفنانين التشكيليين لما يقدموه من صياغات ومضامين متطورة، ومن طروحات إنسانية، فيمكننا القول إن الحركة التشكيلية العُمانية أصبحت متمكنة من نفسها ومواكبة للعصر، وتملك التقنيات المتميزة التي أعطتها مكانة خاصة بين الحركات التشكيلية الأخرى في العالم. وأما بالنسبة للحركة النقدية عندنا، فهي شبه معدومة، وهناك كتابات ضئيلة جدا لبعض النقاد، رغم وجود أعمال فنية راقية تستحق بجدارة أن تتناولها أقلام النقاد بحياد وموضوعية. وبوجه عام، فالحركة التشكيلية العمانية من المفترض أن تقابلها حركة نقدية نشطة، ولكن للأسف، لا نجد سوى بعض الاجتهادات هنا وهناك، ونتمنى أن يخصص الدعم والاهتمام والتركيز على النقد الفني كما هو في مجال الدعم الفني. } كيف تصفين خصوصية التشكيل العُماني في منطقة الخليج العربي؟، ألا تبدو الأعمال التشكيلية الخليجية متشابهة نظراً للتشابه الجغرافي والتاريخي واللغوي والثقافي والاجتماعي؟ - كما تحظى عمان بموقعها الجغرافي والاستراتيجي الذي يميزها، عن الدول الأخرى بأجمل التضاريس المعروفة على مستوى منطقة الخليج، من البيئة الساحلية، والجبلية، والزراعية والسهول، والوديان، والعادات والتقاليد، والعمارة، والفنون الشعبية، وتصاميم الأزياء، كذلك تتفرد عمان في الفن التشكيلي عن بقية دول الخليج، ويبدو هذا التميز واضحاً في أعمال التجربة التشكيلية في عُمان. فالفنان التشكيلي يؤثر ويتأثر بالبيئة المحيطة به، لذا يحظى الفن التشكيلي العماني بخصوصيته وتفرده باعتراف العديد من كبار الفنانين التشكيليين العالميين الذين يزورون سلطنة عمان بين الحين والآخر، فاللوحة التشكيلية هنا، تعكس عمان في تميزها وفرادتها في أبهى صورها الجمالية وتحافظ على خصوصيتها وهويتها، وتقدم نفسها شامخة بكل فخر للعالم. الفلسفة والتشكيل } درست الفلسفة وعلم النفس، ما علاقة ذلك بالفن التشكيلي؟ هل التشكيل يعيد صياغة رؤية المجتمع بشكل أفضل، ويعيد رؤيتنا للعالم كما ينبغي أن يكون، لا كما هو قائم فعلاً؟ - علاقة الفلسفة وعلم النفس بالفن التشكيلي وثيقة وأزلية، من خلال علم الجمال، وفلسفة علم الجمال، وأثر ذلك واضح في الفن والقيم التي تحكم التعبير الفني، الذي يثير في الناس الإحساس بالجمال، وقد استفدت كثيرا من دراستي الفلسفة وعلم النفس في مجال عملي التشكيلي، في البحث عن الجمال، و تنمية روح التأمل، والنظر إلى العالم بعمق أكثر وتفهم القضايا بمنظور أشمل. والفن هو الريادة وتجاوز الواقع والمألوف، وليس في الاتباع والتقليد، وهو في الإضافة الشخصية من الفنان الذي يتوجه إلى الآخرين ليجعلهم يرون ما لا يروه، ويدركون واقعهم ويعيدون صياغة هذا الواقع بشكل جديد. } لكل فنان تشكيلي لغته الفنية التي هي محصلة تجاربه وقراءاته ومشاهداته، كيف تشكلت لغتك الفنية؟ وبمن تأثرت من الفنانين العمانيين والعرب والأجانب؟ - خروجاً من المرحلة الواقعية التي شكلت بداياتي الفنية، ومروراً بالعديد من التجارب والبحوث الفنية لإثبات الذات والرغبة والتطلع للوصول إلى التميز والفرادة تشكلت لدي لغتي الخاصة في التعبير، ويعتبر رائد الحركة التشكيلية أنور سونيا، هو معلمي الذي يرجع إليه الفضل في كل ما وصلت إليه في مجال الفن التشكيلي، وسونيا لم يتأن في نصيحتي وإعطاء رأيه في كل ما يتعلق بالفن، وعالميا أعجبت بأعمال الكثير من الفنانين كأعمال العالمي بيكاسو. } رئاستك للجمعية العمانية للفنون التشكيلية، هل أضافت لك كفنانة، أم استحوذت على جهدك في المجال الإداري فقط؟ - طبعا، من المعروف أن المناخ المناسب يلعب دوراً كبيراً في تنمية قدرات الإنسان وإمكانياته الفكرية والمعرفية، وأنا من المحظوظين أن أعمل في المكان المناسب الذي وجدت فيه كل ما أطمح إليه، وساعدتني هذه الأجواء على الاستمرار، فأينما ذهبت، وجدت الفن أمامي، في العمل والبيت، حتى يخيل إلي أن الشارع والناس، هو مشاهد للوحة فنية في هذا العالم الذي أبدعه الخالق. } هل نتحدث عن علاقتك بالألوان، كيف تختارين ألوانك؟ هل حسب موضوع اللوحة، أم حسب الحالة النفسية والمزاجية؟ وما هو اللون المفضل عندك ولماذا؟ - أنا لا أستطيع تخيل الدنيا بغير الألوان، فأنا أعشق كل الألوان، وكل لون لدي له قيمة جمالية، وتكمن في أعماقه أسرار كثيرة، فوهج الألوان يأسرني ويأخذني إلى عوالم وفضاءات حالمة، واختياراتي تأتي حسب اللحظة التي أعيشها وتترجم تلك اللحظات بألوان وقد تكشف عن أشياء لم تخطر في بالي، فاللون يعبر عن حالة انفعالية تتجسد في اللوحة ذاتها، فباللون نستطيع أن نقول ما لا نستطيع قوله بالكلام. } ما تقييمك لأعمال التشكيليات العمانيات؟ هل ينافسن الفنانين الرجال؟ وهل صحيح أن التشكيل في السلطنة فن للرجال فقط؟ - اعتقد أن الفنانين والفنانات في عمان، يمارسون نشاطاً متوازياً نوعاً ما، وقد لقيت الفنانة التشكيلية العناية والرعاية اللازمة لتنطلق في عالم الفن التشكيلي، بل وتتفوق فيه وتضع بصمتها. } كيف ترصدين المعارض التشكيلية للفنانين الأجانب في السلطنة؟ كيف هي صورة عمان في عيون التشكيليين الأجانب؟ - إن ما نراه في الفترة الأخيرة من إقامة بعض المعارض للأجانب فيه الكثير من المجاملات، وهي لا تعتمد على تقديم النوعي من هذه الأعمال، هذا شيء يؤثر في الحركة التشكيلية، وفي ذات الوقت نجد للظاهرة بعض الإيجابيات، عندما نرى بعض الفنانين الأجانب يجدون عمان وجمالها وخصوبتها أرضاً بكراً للمعارض فتبهرهم الحياة في عُمان بكل ما تحمله من عناصر متعددة كالمعمار، والزخارف، والألوان، و الأسواق، والحارات، كما أن هناك نظرة مغايرة لسلطنة عُمان من قبل الفنان الأجنبي. } يعتبر (بيت البراندة) من أهم البيوت الفنية في سلطنة عمان، ما الدور الذي يقدمه هذا البيت لإثراء الحركة التشكيلية؟ - يعد بيت البراندة من الروافد التي ترعى الفن التشكلي العماني، وفي الحقيقة تعددت المؤسسات الخاصة في عمان، فهناك أيضاً (بيت مزنة) وأيضاً (بيت الزبير) وجميع هذه المؤسسات تعمل على دعم الحركة التشكيلية وإثرائها. } ما هي طموحاتك كفنانة تشكيلية؟ - أن يعم السلام والأمان، وأن أكون سفيرة تشكيلية لبلدي أجوب العالم.