×
محافظة جازان

مشهد / جيل بلا تاريخ - ثقافة

صورة الخبر

وقرر الروس، فجأة، الانسحاب جزئياً من سوريا، بنفس الطريقة المفاجئة التي تدخلوا بها في النزاع بطلب من دمشق بحسب التصريح الروسي الرسمي. لم تتحول الأرض السورية العربية الى مستنقع يتمرغ الروس في أوحاله كما توقع أو تمنى البعض. ولم تصبح سوريا أفغانستان ثانية، مثلما خابت توقعات وأمنيات سابقة في أن يتحول العراق إلى تنين فيتنامي يحرق بناره الغزاة الأمريكان. يبدو أن الأرض العربية ليست ككل الأراضي؛ لم تعد تملك خاصية التحول إلى مستنقع يبتلع الآخرين الغزاة والمحتلين والمتدخلين، وأنصع دليل، في ذاكرة المنطقة التاريخية، الاحتلال وقيام الدولة الصهيونية- العدو اللدود في الأمس، والصديقة في الخفاء والعلن اليوم. أثار الانسحاب الروسي المفاجىء والسريع دوامة من التأويلات والتحليلات، التي يصعب أن يجد المرء بينها ما يتوفر فيه، ولو مقدارا ضئيلا من الموضوعية، خصوصاً من الجانب العربي، الذي نادراً ما يصدر عن أوعيته وقنواته الإعلامية تحليلات سياسية لا تحمل أختام الانحيازات الحزبية والانتماءات الفئوية والطائفية واعتبارات المصالح الشخصية، أو لا تتوافق مع ميول وأهداف مُلاّك القنوات الفضائية أو الصحف. فعلى الفور تعالت الأصوات عازيةً الانسحاب إما الى ارتفاع فاتورة التدخل في الشأن السوري بدون تقديم الأرقام والاحصاءات الدالة على ذلك، أو تفادياً لمزيد من التورط؛ مما يؤدي الى تكبد خسائر فادحة لن تتحملها الإدارة الروسية والشعب الروسي، أو تجنباً لهزيمة مشابهة لما حدث في أفغانستان. وقال البعض بالجزم إن الروس أدركوا أخيراً أن الحل للأزمة السوري لن يأتي عن طريق البلطجة العسكرية. وقد ذهب آخرون الى حد القول إن روسيا سارعت الى إبعاد طائراتها عن الخطر الذي قد يحدق بها بعد ان استطاعت المعارضة إسقاط طائرة سورية بصاروخ محمول على الكتف. وقد أغرى بكل ذلك اقتضاب التصريح الروسي بالانسحاب، وخلوه من التفاصيل وذكر أسباب الانسحاب عدا القول بأن الحملة حققت أهدافها. وكان للجانب الغربي بدوره آراؤه ولكن لحرصه على الموضوعية طرح آراءه كفرضيات وليس كحقائق مؤكدة. فعلى سبيل المثال رأت نيويورك تايمز في قرار الانسحاب إشارة لشعور الأسد بالثقة والاستقرار، طارحةً فرضية وجود النية لدى بوتين وحكومته على إجبار الأسد على الحوار مع خصومه. وبحسب روسيا اليوم، طرحت صحيفة ذي ناشيونال إنترست فرضية أن روسيا تؤكد بالانسحاب أن دعمها لنظام الأسد لن يستمر الى الأبد، خصوصاً بعدما ظهر أنه أصبح أقل ميلاً للمشاركة في المفاوضات بعد الاختراقات العسكرية التي حققها جيشه. وتضيف الصحيفة فرضية أن التغير في التعاطي السياسي مع الأزمة السورية كما يعبر عنه التخلي عن رحيل الأسد كشرط للتسوية السلمية، ألغى الحاجة إلى التواجد العسكري الكبير على الأراضي السورية. شكلت تلك التحليلات والفرضيات سحابة دخان، حجبت ما يبدو أنه قرار بالعودة إلى سوريا بحراً، اتخذته إدارة بوتين قبل قرار الانسحاب، وَبُثَّ خبره في الخامس من فبراير الجاري، ومفاده أن روسيا سترسل حاملة الطائرات الضخمة (الأميرال كوزنيتسوف) للبحر المتوسط في الصيف بعد إتمام صيانتها وتأهليها لاستخدام الطائرات الحديثة. فـالروس قادمون إذاً، القدوم الثاني إلى قبالة الساحل السوري على ظهر الأميرال!