ظل القلم مطرقاً فوق الورقة من دون أن ينبس ببنت حبر، قلت: ما لك حائراً؟ قال: نحن في أيّام الشارقة المسرحية، فأنا أستجمع ما لا بد من قوله للفنانين الذين أتوا من كل فجّ عميق لإبداء آرائهم في الأمور الجادّة. قلت: قل ولا تطل. قال: منذ عشرات السنين لا يخلو ملتقى للمسرحيين العرب من الوقوف على أطلال النصوص المسرحيّة الجادّة، في كل منتدى أو مؤتمر حديث عن غياب النص، وكأن المسؤولية تقع على غير المسرحيين، في حين أن طارحي هذه الشكاوى والتوصيات هم كتّاب المسرح والمخرجون والممثلون. المقارنة مُحال بمركز التسوق الذي يشكو نقص إنتاج المصانع والمعامل. هذا يعني أن الإبداع المسرحي العربي متعثر منذ عشرين، ثلاثين، أربعين سنة. هؤلاء هم صفوة المسرح العربي، والشارقة هي العين الراعية والأذن الصاغية لكل إبداع ثقافي عربي، فلا بدّ من التشخيص الجادّ لهذه القضيّة. قلت: لعلك تتجاهل سلسلة من المسائل أطول من سلسلة جبال الهيمالايا. الكتابة الجادّة للمسرح ليست بالأمر الهيّن في مسرح عربي كبير مساحته أربعة عشر مليون كم مربّع، فرض عليه مخرجو العالم الكبار ديكوراً تجريديّاً، وأداء لا معقولاً بلغة داديّة سرياليّة،فبات قصاصات مونتاج. إنك تنام على مشاهد وتصحو على أخرى مختلفة تماماً، والإبداع يحتاج إلى تركيز واستقرار. من يستطيع أن يكون مبدعاً تحت الأنقاض، وفي التشريد والتهجير. ثم إن المصيبة إذا عمّت هانت، فالموسيقى في وضع أسوأ، فالهبوط جعل الشعراء المبدعين يخلعون نعالهم ويهربون من الأغاني. وقس على ذلك الاقتصادات العربية والهوية والسيادة وسائر الميادين. والمسرحيون أهل احساس مرهف: أهل الكوميديا يضحكون من كاريكاتور الأوضاع، والتراجيديون يذرفون العبرات. قال: حذار نسيان الوجه الآخر لمقولة شكسبير، التي غالباً ما يغفل عنها الناس وأصحاب الاختصاص على حدّ سواء. يقول: اعطني مسرحاً، أعطك شعباً عظيماً. لهذه المقولة كواليس في المعنى. ما أهون المطلوب إذا كان مجرّد مبنى أو قاعة، وما أظن المسرحيّ البريطانيّ الرائد يطلب شيئاً زهيداً كهذا. الأخطر من هذا هو أن ننظر إلى الوجه الآخر من المقولة: إذا كنا لا نملك أمة في القمّة الآن، فكيف نفسّر قولة شكسبير؟ على المسرحيين العرب الإجابة بالمسرح الذي يشيد للأمة عظمة حديثة. لزوم ما يلزم: النتيجة المسرحيّة: بلغت مسرحية الأمّة العقدة، ولا بدّ من حل. abuzzabaed@gmail.com