نظمت ممثلیة حکومة إقلیم کردستان في بريطانيا، وبالتنسيق مع المجموعة البرلمانیة البريطانية لدعم کردستان ومرکز التقدم الكردي، جلسة نقاشية خاصة باستذکار فاجعة حلبجة في البرلمان البريطاني. وشارك في الجلسة كل من خسرو ازكيي مدير قسم الشؤون السياسية في ممثلية حكومة الإقليم، والنائب توبياس الوود وزير خارجية الكومنولث ووكيل وزارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهيلاري بين وزير الخارجية في حكومة الظل، والنائب في البرلمان ناظم زهاوي نائب رئيس المجموعة البرلمانية البريطانية حول قضية كردستان، وأرام محمد الوزير السابق في حكومة إقليم كردستان لشؤون الشهداء والأنفال، وكامران نوروز أحد الناجين من مذبحة حلبجة الكيماوية. ترأس الجلسة غاري كنت مدير المجموعة البرلمانية البريطانية حول قضية كردستان. وقال ممثل حكومة إقليم كردستان في بريطانيا کاروان جمال طاهر، في رسالة التي قرأها نيابة عنه خسرو ازكيي: «إننا هنا نناشد بریطانیا والمجتمع الدولي مساعدتنا فی تطویر وتنمیة محافظة حلبجة ومعالجة جرحی ومصابي هذە الجریمة والعمل مع مؤسسات هذە المدینة لغرض تلبیة احتیاجاتهم». وتابع خسرو: «هذە الفاجعة الذي ارتکبها نظام صدام الديکتاتوري جریمة کبری بحق الإنسانیة، ولن ينسى الشعب الکردي هذە الجریمة ونطلب من المجتمع الدولي أن لا ینسى هذه المأساة. ونطلب أيضا من المجتمع الدولي أن یتحدوا ضد هذە الأفعال الإجرامیة من قبل الإرهابیین وألا یعطوا الفرصة لإعادتها»، مشيرا إلى عملیات الإبادة الجماعية التي ارتکبها تنظيم داعش الإرهابي ضد الإیزیدیین وقیامهم بـ19 هجوما کیماویا خلال الشهر المنصرم ضد قوات البیشمركة». أما النائب ناظم زهاوي فتقدم بالشكر والعرفان للوزير الوود لدعمه المستمر للأكراد. كما وصف صدمته وحسرة قلبه في جلسة استماع حول الفظائع التي وقعت في حلبجة بتاريخ 16 مارس (آذار) عام 1988. حيث شاهد الصور المعروضة للمرة الأولى. وقال: «لا أزال عاجزا عن إلقاء نظرة أخرى على تلك الصور التي نحتفظ بها في صندوق في أعلى المنزل عندنا. فلقد كانت الصور الأولى التي شاهدتها للفظائع المرتبة في حلبجة مروعة. ومما يؤسف له في عام 1998 عندما أخذنا الصور إلى وسائل الإعلام وإلى غير ذلك من صناع الرأي العام لم يفسح الناس لنا إلا القليل من وقتهم ولم يرغبوا في تصديقنا حول تفاصيل الجرائم التي ارتكبت بحق الأكراد على يد صدام حسين واستخدامه للأسلحة الكيميائية ضدهم. ولقد تغير ذلك الأمر الآن. وأقول بكل فخر بأن حكومتي تعترف بتضحيات شعب كردستان والتضحيات التي قدمها سكان حلبجة، ولا سيما كل من وزراء الشرق الأوسط السابقين والحاليين، وخصوصا الوزير اليستير بيرت والذي كان من أكبر الداعمين للقضية الكردية». والأمر الملهم للغاية حول أهل حلبجة هو رفضهم السماح لأنفسهم لأن يستغرقهم ما حدث في هذا اليوم العقيم. كما رفضوا السماح لأنفسهم بأن تكسرهم الهزيمة من قبل الهجمات بالأسلحة الكيميائية الفتاكة. بل إنهم تطلعوا بدلا من ذلك نحو المستقبل، وتطلعوا إلى المصالحة وإعادة بناء أرضهم، كما يفعل جميع أبناء الشعب الكردي. وبعد انقضاء الحرب العالمية الثانية، أعلنا أنه «لن يتكرر هذا مرة أخرى» من حيث استخدام الأسلحة الكيميائية، ولن نسمح بالهجوم على عرقنا أو إبادته. ومما يؤسف له مرة أخرى، شاهدنا الأمر يتكرر مرة أخرى في كردستان، وفي سنجار ضد الشعب الإيزيدي الفقير، وتلك الجرائم المروعة التي ارتكبتها جماعة الدم المعروفة باسم «داعش». أود أن نتآزر هنا مرة أخرى للاحتفال معكم في القريب العاجل بتحرير نينوى والموصل من احتلال «داعش». لقد لاحظ هجمات «داعش» على السكان الأكراد – وتخفيض بغداد لميزانية إقليم كردستان – وتحمل حكومة الإقليم العبء المالي الكبير لرعاية أكثر من 1.8 مليون لاجئ. وأشار إلى أن قوات البيشمركة تخوض حربا ضروسا وهو خط المواجهة الأوحد في العالم من دون عائلات تتلقى الرواتب. وتابع يقول: «لا نعتبر الليلة احتفالية لتحية شعب حلبجة فحسب، ولكنها احتفالية لتحية صمود الشعب الكردي خلال كافة العقبات والعوائق التي مر بها، ولا يزال الأكراد يشعرون بالفخر ويعلنون عن مواصلة التزامهم بالنيابة عن المجتمع الدولي في هزيمة داعش». ولقد تقدم بالشكر إلى جميع الحاضرين وقال: «نحن هنا الليلة لإحياء ذكرى الراحلين والأعضاء الباقين. وجزء من هذه الذكرى يحتم علينا مواصلة التزامنا بتأكيد الاعتراف الدولي بجريمة الإبادة الجماعية بحق شعب حلبجة وبحق الشعب الكردي بأسره. ولقد صوت برلماننا بالإجماع على الاعتراف بأنها عملية إبادة جماعية، ولسوف نستمر في حث الحكومة والأمم المتحدة على الاعتراف بهكذا حقيقة». قال الوزير توبياس الوود: «يشرفني أن أكون هنا اليوم. فالفعاليات مثل هذه من الأهمية بمكان لتكريم ذكرى الأبرياء الذين يفقدون حياتهم، كما أنها مهمة لإظهار التصميم الراسخ على منع تكرار مثل تلك الفظائع مرة أخرى. يجب علينا ألا ننسى الاضطهاد الممنهج ضد الأكراد من جانب نظام صدام حسين البشع. ويجب أن نتذكر دائما الطائرات التي أرسلها لإلقاء الأسلحة الكيميائية على الرجال والنساء والأطفال الأبرياء في حلبجة. كما يجب ألا ننسى أكثر من مائة ألف شهيد كردي لقوا حتفهم خلال عملية الأنفال العراقية». وقال هيلاري بن، وزيرة الخارجية في حكومة الظل: «من الأهمية القصوى أن نتذكر ما حدث في حلبجة وغيرها من الأعمال الفظيعة التي حدثت في جميع أنحاء العالم. ويتعين علينا الالتزام بفكرة عدم السماح أبدا بتكرار مثل تلك الفظائع. وعلينا مسؤولية كبيرة في حماية الأبرياء. وإنني أشيد بالجهود الكبيرة لقوات البيشمركة الكردية وللحكومات البريطانية المتعاقبة التي تؤيدهم وتدعمهم». وأريد أن أشكر حكومة إقليم كردستان وقوات البيشمركة والتحالف ضد «داعش» على الجهود الكبيرة المبذولة لهزيمة التنظيم الإرهابي. وأعمالنا اليوم تعكس التعبير والتصميم أنه «لن يتكرر هذا مرة أخرى». وفي الوقت الذي يقتلنا الحزن على الأرواح البريئة التي فقدت في حلبجة، دعونا نعقد العزم على تحقيق تلك العبارة المهمة أنه «لن يتكرر هذا مرة أخرى». وأوضح أرام محمد، الوزير السابق في حكومة إقليم كردستان لشؤون الشهداء والأنفال أنه جرى خلال فترة ولايته في الحكومة تغيير مظاهر إحياء ذكرى الضحايا من العويل والبكاء، كما يظهر في الصور المروعة لضحايا المذبحة، إلى شعار «من الدموع إلى الآمال». وتحدث كامران نوروز أحد ضحايا الأسلحة الكيماوية التي استهدف بها نظام صدام حسين مدينة حلبجة قبل 28 عاما، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 5000 وإصابة أكثر من 10 آلاف مواطن، وسلط نوروز الضوء على قصته المأساوية عندما قُصفت مدينته بالأسلحة الكيماوية وكان عمره آنذاك نحو 11 عاما. ومضى كامران نوروز بالقول: «في تمام الساعة 11 قبل ظهر يوم 16 مارس (آذار) عام 1988 كنت مع أختي الكبرى دلخواز وأخوَي الصغيرين كاروان وكارزان ووالدي في المنزل فيما كان أخواي الكبيران وابن عمتي متواجدين في خارجه، حينها امتلأت سماء مدينتي حلبجة بعدد من الطائرات الحربية العراقية، وبدأت تقصف المدينة، لذا اختبأنا في سرداب المنزل الذي بناه والدي في الحديقة قبل مدة لتلافي القصف، وانضم إلى سردابنا عدد من الجيران فيما عاد أخواي وابن عمي أيضا بعد نحو خمس دقائق، القصف كان مستمرا، الطائرات كانت تقصفنا ذهابا وإيابا، وبدأت قصفها أولا بإسقاط قنابل النابالم، وكانت تقصف أطراف المدينة بشكل أكبر، وهذا تكتيك عسكري لمنع خروج سكان المدينة منها، من أجل إيقاع أكبر عدد من الضحايا، القصف كان مستمرا، وبعد مرور نحو ساعتين، اشتممنا عدة روائح منها (الثوم، والتفاح، والموز)، عندها شعر والداي أن النظام بدأ باستخدام القنابل الكيماوية، لأنه استخدمها من قبل في عدة مناطق أخرى، ارتبكنا جميعا وارتفعت أصوات النواح والبكاء من السرداب، لأننا كنا نعلم أن السلاح الكيماوي يختلط مع الهواء، ويدخل في كل مكان، وهذا يعني أن طرق النجاة قليلة جدا، خرجت والدتي من السرداب بسرعة وعادت إليه حاملة معها دلوا مليئا بالماء وقطع قماش ومناشف، وطلبت من كل واحد منا أن يأخذ قطعة قماش أو منشفة ويبللها بالماء ومن ثم يضعها على وجهه، لكي لا يختنق أو يحترق جلده أو يصاب بالعمى بسبب القصف الكيماوي، القصف لم يتوقف وكنا نحن نضعف شيئا فشيئا والدموع تنهار من أعيننا، وفي هذه الأثناء سقطت قنبلة كيماوية في منزل يجاور منزلنا من الخلف، وصاحب المنزل كان يدعى الحاج حسين، وهو معروف حسين جكليت، عندها ركض أخي ريبوار الذي كان يكبرني بثلاثة أعوام، وخرج السرداب وتوجه إلى سطح البيت، لمعرفة ما حدث، انتظرناه نحو 15 دقيقة لكنه لم يعد، نادت عليه والدتي عدة مرات لكنه لم يجب، لذا أرادت والدتي أن تذهب لمعرفة ما جرى لأخي، لكن أخي الصغير كارزان تعلق بها وبكى، لذا حملته وخرجت من السرداب، وبعد نحو دقيقة سمعنا صوت والدتي وهي تنادي مات ريبوار، ومن ثم وقعت هي وكارزان من درج السرداب، وتوفيا، وبدأ النواح والبكاء في السرداب، ومن ثم هرب أبي وأخي رزكار وأختي الوحيدة دلخواز، مع عدد من جيراننا الذين كانوا أكبر منا سنا، أما نحن الأطفال فبقينا في السرداب». سمعت لمدة قصيرة أصوات أبي وإخواني وأختي، الذين كانوا ينادون ويبكون، لكن أصواتهم انخفضت فيما بعد لحين انعدامها تماما، ولم يعد أحد منهم إلى داخل السرداب. بعد شم رائحة الثوم والتفاح والموز، كنت أشعر بالضعف، وعيناي تدمعان بشكل مستمر، كنت فاقدا للوعي، وأشعر أنني أحلم، كنت أرى جثة والدتي وأخي بالقرب مني، لكن لم أكن أشعر بأي شعور تجاههما، كنت لا أعرف ماذا حدث، وكنت أفقد قوتي أما عيناي فكانتا تدمعان وكنت أشعر بحرقة في داخلهما، وبعدها استفرغت، أما الأشخاص المحيطون بي فكلهم كانوا من الأطفال والمسنين، وكانوا يضعفون أمام عيني، فيما توفي بعضهم فورا. انتهى القصف وحل الليل، كنت أشعر بتعب شديد، وكنت أشعر بظهور فقاعات على وجهي ويداي، السرداب كان مظلما جدا، ولم أكن أسمع صوت أي شيء، فقط كنت أسمع في بعض الأحيان صوت آهات منخفضة، قضيت تلك الليلة بين الاستفراغ وفقدان الوعي، وعندما استيقظت شعرت أنه الصباح، لكن لم أعلم كم الساعة، هل الوقت قبل الظهر أم بعده، وعيناي كانتا تريان الأشياء بشكل ضعيف جدا، كنت عطشانا جدا، بحثت عن الماء بيدي فاصطدمت بالدلو التي أتت به والدتي قبل بوم لتبليل المناشف، أردت أن أشرب منه، لكن صديقي هوشمند ضرب برجليه الدلو وقال لا تشرب منه لأنه ملوث، حينها علمت أنه أيضا على قيد الحياة، لكنني شعرت أن الذين يحيطون بي توفوا جميعا، وقضيت ليلة أخرى في السرداب، ومع حلول النهار حاولت أن أترك السرداب، لأعرف مصير والدي وإخواني وأختي، حاولت النهوض لكنني لم أستطع، لذا مشيت على ركبتي فوق الجثث حتى وصلت إلى الباب، كنت أرى بالكاد، وبعد مرور نحو يومين رأيت جثث أخوي الكبيرين وأختي مرمية على الأرض أمام باب السرداب، وكان رأس أخي ريبوار في حضن أختي فيما كانت جثة والدي ملقية في مكان آخر بالقرب منهم. عدت إلى السرداب، وكنت أنتظر الموت بعد أن فقدت بصري تماما، وفقدت الوعي مرة أخرى، ثم استيقظت على صوت أشخاص كانوا يتحدثون باللغة الفارسية، لكنني لم أكن أستطع أن أرفع حتى أصابعي لكي يعلموا بأنني على قيد الحياة، فيما بعد علموا بذلك ونقلوني بسيارة كانت مليئة بالمصابين لأنني كنت أسمع أنينهم وصراخهم، وتجولت السيارة لمدة نحو 30 دقيقة بين أحياء حلبجة وحملت عددا آخر من الجرحى، بحيث أصبحت أنا تحتهم، ومن ثم شعرت أن السيارة توقفت عند طائرة مروحية، ونقلونا نحن المصابين إليها، وبعدها فقدت وعيي، وعندما استيقظت شعرت بأن فتاتين تغسلانني، سألتهما أين أنا، فقالتا هذا مستشفى كرمانشاه، وبقيت في ذلك المستشفى لأكثر من عامين، ساءت فيهما حالتي المرضية، لأن جلدي كان محترقا بالكامل، وفقدت بصري، وكنت أتنفس بصعوبة، لذا نقلوني إلى مستشفى آخر في طهران، بقيت في هذا المستشفى لمدة ستة أشهر، وبعد تلقي العلاج اللازم، نقلوني إلى مخيم سنغور، حيث بحثت فيه عن الأهل لكنني لم أجد أحدا منهم، وبعد مدة جاءت جدتي وأخذتني وعشت معها ومع خالي في مخيم هرسين وعدنا فيما بعد إلى كردستان في عام 1998. وعما إذا كانت إيران متورطة في استهداف حلبجة بالأسلحة الكيماوية، قال كامران نوروز عقب انتهاء الجلسة، لـ«الشرق الأوسط»: «صحيح أن جريمة حلبجة وقعت في أثناء الحرب الإيرانية العراقية، وفي وقتها كانت إيران كلما تتعرض لضغط في إحدى الجبهات تفتح جبهة أخرى في مكان آخر ليقل الضغط عليها، وهذا ما حدث بالضبط، الجيش العراقي كان يهاجم إيران من الجنوب، واحتلت جزءا من أراضيها، لهذا السبب فتحت إيران جبهة حرب من الشمال وهذا نوع من الخطة العسكرية، لكن جريمة إيران كانت في أنها كانت تعلم أن الجيش العراقي يمتلك أسلحة كيماوية وهو مستعد لاستخدامها في أي لحظة، وفي أي منطقة من الجبهات، لكنها ومع كل هذا حاولت احتلال مدينة يبلغ سكانها نحو 100 ألف شخص، ولم تفكر فيما إذا احتلت هذه المدينة فإن بغداد ستستخدم الأسلحة الكيماوية في المقابل، ويتعرض حياة 100 ألف مدني بذلك للخطر، وكان بإمكانها أن تحتل مناطق حدودية أخرى فارغة من السكان أو عدد سكانها قليل بسبب الحرب أو بسبب عمليات الأنفال التي طالتها على يد الجيش العراقي، وحينها كان يلحق بالمدنيين أقل الخسائر، وكذلك عندما سيطرت إيران على حلبجة كان بإمكانها أن تطلب من السكان إخلاء المدينة لكنها وبالعكس منعتهم من الخروج منها».