ماذا لو وجدت نفسك فجأة بين مجموعة كبيرة من الناس داخل صالة فسيحة، ويحمل كلٌّ منهم آلة موسيقية مختلفة عن الآخر، وطبولاً متنوعة في الشكل والصوت بلا ضابط إيقاع، أو «نوتة» مشتركة، أو أغنية واحدة، ثم حانت اللحظة التي يجب على كل واحد منهم أن يبدأ العزف فيها على آلته، أو الضرب على «طبله»، بالنسبة إليَّ، لا أظن أنهم جميعاً سيستطيعون مواصلة أداء وصلاتهم، التي يريدون، وسيخرج بعضهم عن طوره إلى درجة السخط على الآخرين، ثم تحطيم آلته، بينما يرتفع مستوى الضجر بين الآخرين، ولن يُكمل أي أحد منهم الأداء إلا «الأطرش في الزفة»، بينما تصاب أنت الواقف فيما بينهم بحالة استياء وضجر بالغة، قد تصل إلى حدِّ الصراخ ما لم تستطع الهروب من ذلك المكان. في المقابل، ماذا لو وجدت نفسك في ذات المكان، وبين نفس أولئك الأشخاص، والآلات، وفي نفس تلك اللحظة، إلا أن أحدهم كان واقفاً على مسافة قريبة منهم، يشير إليهم، ويوزع الأدوار عليهم، ويزيد من تناغمهم، وحماسهم لأداء معزوفة مشتركة، لكل واحد منهم دورٌ يؤديه، ووقتُ بداية ونهاية محددٌ، ولكل آلة درجة وسلَّم موسيقي منضبط، حينها سترى على الوجوه ملامح مختلفة، تزداد سعادة ونشوة لتقديم أعلى مستويات الأداء كلما حان دور أحدهم للعزف على آلته، وهي تُصدر أنغامها الخاصة ضمن معزوفة بديعة متكاملة، وفي المحصلة قد لا تجد أنت إلا التصفيقَ ترجمةً لمشاعرك. هذا «الترميز» أيها السادة، هو تطبيق حقيقي، نعيشه في كل لحظاتنا، فالصالة ترمز إلى الوطن، أو الشارع، أو بيئة العمل، أو العقل، والآلات، هي المؤسسات، أو الأشخاص، أو الأنظمة، أو الأفكار، أما نحن، فالعازفون، وضابطو الإيقاع في ذات الوقت، كلٌّ منَّا حسب مكانه وزمانه، فربُّ الأسرة مثلاً ضابط إيقاع في منزله، وعازف في عمله، والمعلم ضابط إيقاع في فصله، وعازف في مدرسته، والكاتب ضابط إيقاع حين كتابة مقالته، وعازف في صحيفته، هكذا دواليك في كل التخصصات، والوظائف، والمهام. هذا فيما يتعلق بالأعمال الجماعية، التي ننتظر منها نتائج، تستحق أن تصفِّق لها الأيادي، وتلقى الإشادة بأدائها، فإن وجدتم أنفسكم في صالة فسيحة من صالات الحياة، وغلب عليكم الضجر من الأداء، وبلغ السخط مبلغه، فاعلموا ألا ضابطَ إيقاعٍ في تلك الصالة، أو قد يكون موجوداً، ولكنه صاحبنا نفسه «الأطرش في الزفة».