وصف صندوق النقد الدولي الآفاق الاقتصادية للسعودية بالإيجابية في الأجل القريب، إذ يُتوقع أن يبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي الكلي 4 في المائة خلال عام 2013، و4.4 في المائة عام 2014. ويتضح ذلك من مؤشرات، مثل معاملات نقاط البيع، ومؤشر مديري المشتريات؛ أن القطاع الخاص غير النفطي مستمر في النمو بقوة، ويُفترض أن تساعد المشاريع الضخمة في قطاع النقل، والبنية التحتية، والتعدين؛ على دعم ارتفاع النمو في القطاع الخاص في العام الجاري إلى 6.5 في المائة. جاء هذا في التقرير القُطري، الصادر عن الصندوق لشهر تموز (يوليو) الجاري، ضمن مشاورات المادة الرابعة لعام 2013م مع المسؤولين في السعودية حول مختلف التطورات والسياسات الاقتصادية. وتنص المادة الرابعة من تأسيس صندوق النقد الدولي على إجراء مناقشات ثنائية مع الدول الأعضاء، تتم في العادة على أساس سنوي، حيث يقوم فريق من خبراء الصندوق بزيارة الدولة العضو، وجمع المعلومات الاقتصادية والمالية اللازمة، وإجراء مناقشات مع المسؤولين حول التطورات والسياسات الاقتصادية في هذه الدولة. وتوقع التقرير انخفاض الناتج النفطي بنسبة 3.3 في المائة عن متوسط مستواه في عام 2012م بسبب الأوضاع التي تشهدها سوق النفط العالمية، ويعقب هذا ارتفاع طفيف عام 2014، ورغم انخفاض صادرات النفط الخام بعد أن بلغت ذروتها في منتصف 2012م، سيساعد بلوغ أسعار النفط 100 دولار للبرميل في العامين التاليين، وتباطؤ معدل الإنفاق المالي؛ على الاستمرار في تحقيق فوائد ضخمة في المالية العامة والحساب الجاري. ويُتوقع أيضا انخفاض العجز الأولي غير النفطي خلال العام الجاري بنسبة 4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، وأن يرتفع التضخم الكلي إلى حد ما في الشهور القليلة القادمة، ثم ينخفض قرب نهاية العام مع تراجع أسعار الغذاء المرتفعة، ليصل إلى 4 في المائة في المتوسط في العام الجاري ككل. أما آفاق الاقتصاد السعودي في الأجل الأطول، فتعتمد - وفقا للتقرير- على نجاح مبادرات الإصلاح والتطورات في سوق النفط العالمية، إذ يُتوقع في السنوات الخمس المقبلة أن ينمو الناتج النفطي نموا طفيفا في أفضل الأحوال، وسيكون القطاع الخاص هو المحرك الأساسي للنمو غير النفطي، لأنه من المحتمل أن ينخفض الإنفاق المالي عن متوسط مستواه في السنوات الأخيرة. ورغم أنه يصعب دائما تقدير معدل النمو الممكن للاقتصاد غير النفطي، تشير التحليلات إلى أنه قد يراوح بين 5 و6 في المائة تقريبا، وقد يؤدي هذا، إلى جانب توقعات الناتج النفطي، إلى نمو إجمالي الناتج المحلي الكلي بنسبة 4.25 في المائة تقريبا في الأجل المتوسط، ومن المتوقع أن يبلغ معدل التضخم 3.5 في المائة. مناقشات حول السياسات تفرض الضغوط الديموغرافية، الناتجة عن النمو السريع في عدد السكان، وأغلبهم من صغار السن؛ تحديات أمام صانعي السياسات من حيث توفير فرص عمل جديدة، وتلبية حاجتهم للسكن، وإدارة الطلب على الموارد الطبيعية للبلد. وجارٍ حاليا تنفيذ إصلاحات لمواجهة بعض هذه التحديات. وفي الوقت نفسه، من المرجح ألا تكون أوضاع سوق النفط العالمية مواتية للسعودية في السنوات القليلة القادمة بقدر ما كانت عليه في العقد الماضي. وفي هذا السياق، ركزت المناقشات على مجالين (1) السياسات اللازمة لمواجهة القضايا الاقتصادية والاجتماعية – ارتفاع معدل البطالة والإسكان وتزايد استهلاك الطاقة، و(2) الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي مع تعزيز النمو غير النفطي. توفير فرص عمل لعدد متزايد من السكان أشار التقرير إلى أن السعوديين يعملون في القطاع العام في الأساس، في حين يستحوذ غير السعوديين على الجزء الأكبر من وظائف القطاع الخاص، وتنخفض مشاركة النساء في القوة العاملة. وتمثل الوظائف الحكومية قناة مهمة لتوزيع الثروة النفطية، وينجذب العديد من السعوديين إلى هذه الوظائف، وداخل القطاع الخاص، يمثل قطاع تجارة الجملة والتجزئة وقطاع البناء، اللذان يعتمدان على العمالة الأجنبية، المحرك الأساسي لنمو القطاع الخاص، بينما ظلت القطاعات التي يرغب السعوديون أو يمكنهم العمل فيها صغيرة. ورغم أن متوسط إجمالي نمو معدل التوظيف بلغ 8.5 في المائة، فقد بلغ نمو معدل توظيف السعوديين 4.6 في المائة في الفترة بين 2010م و2012م. ويستقبل سوق العمل عددا كبيرا من الشباب في العقد القادم وما بعده، وسيكون من الصعب أن يوفر القطاع الخاص لهم عددا كافيا من الوظائف ذات الرواتب المجزية، ويتضح من التجارب التاريخية أن هناك درجة من عدم اليقين بشأن قدرة القطاع الخاص على احتواء الداخلين الجدد إلى سوق العمل. ووفق التقديرات، إذا استمر انخفاض مرونة التوظيف في العقد القادم، واستمر ارتفاع معدلات المشاركة في القوة العاملة، وبلغ نمو القطاع الخاص 6 في المائة تقريبا، فقد ترتفع البطالة بين السعوديين بنحو 1.4 مليون، في حالة عدم زيادة فرص العمل في القطاع العام. من ناحية أخرى، قد ينخفض معدل البطالة في حالة ارتفاع مرونة التوظيف، وثبات معدلات المشاركة في القوة العاملة، وتعكس هذه التقديرات التحدي الناتج عن التغيرات الديموغرافية وارتفاع معدلات المشاركة في سوق العمل. وتهدف سياسات سوق العمل إلى تحسين مهارات العاملين السعوديين، وزيادة معدل توظيفهم في القطاع الخاص، وقد أدت الاستثمارات في مجال التعليم إلى زيادة عدد الطلاب الملتحقين بمرحلة التعليم العالي إلى أربعة أضعاف في الـ 15 سنة الأخيرة، لزيادة إنتاجية العاملين السعوديين، وتعزيز قدرتهم على شغل وظائف القطاع الخاص ذات الرواتب المجزية. وركزت إصلاحات سوق العمل منذ عام 2011م على مجموعة تدابير، منها نظام نسب التوطين "نطاقات" الذي يشجع الشركات على توظيف سعوديين، وصرف إعانات للباحثين عن عمل "حافز" لدعم الشباب الباحثين عن عمل ماليا لمدة عام، وزيادة الحد الأدنى للأجور في القطاع العام، ووضع حد أدنى للسعوديين العاملين في القطاع الخاص وتنفيذ سياسات فعالة في سوق العمل والتوسع في تقديم خدمات التوظيف. وتعمل السعودية على إدخال مزيد من التطوير على سياسات سوق العمل، بما في ذلك استخدام الرسوم المفروضة على الشركات، التي يكون أغلب موظفيها من الأجانب، في توفير إعانات الأجور التي تصرف للسعوديين العاملين في الشركات الملتزمة ببرنامج "نطاقات". وأيضا النظر في تنفيذ برنامج لإعانة البطالة لتوفير شبكة أمان اجتماعي واسعة النطاق، وبحث تدابير تهدف إلى زيادة مرونة توظيف العاملين السعوديين، وزيادة فرص التنقل الداخلي للأجانب العاملين في الشركات غير الملتزمة بـ "نطاقات"، وأخيرا زيادة فرص توظيف النساء في قطاعات محددة مثل قطاع التجزئة. واتفقت السلطات السعودية مع خبراء الصندوق على أن زيادة توظيف السعوديين في القطاع الخاص من الأولويات، وستتطلب تنفيذا دقيقا لسياسات سوق العمل، وستستغرق هذه المبادرات وقتا لتكون فعالة. وتوضح البيانات في هذه المرحلة، أن الإقبال الكبير على الانتفاع من برنامج "حافز" في البداية قد تراجع مع وصول المستحقين إلى نهاية فترة الـ 12 شهرا، التي ينتهي بعدها صرف الإعانات، وأن برنامج "نطاقات" ليس له تأثير واضح. وذكر التقرير معدل البطالة بين النساء الحاصلات على تعليم عال في السعودية بلغ مستويات مرتفعة قياسا بالمعايير الدولية، وهو ما يحد من الإمكانات الإنتاجية للاقتصاد، ويمكن المساعدة في إدارة تأثير الإصلاحات في الاقتصاد الكلي عبر إجراء مشاورات مع أصحاب الأعمال في القطاع الخاص، بما في ذلك زيادة الرسوم المفروضة على توظيف الأجانب، كما ينبغي مراقبة إعانات الأجور لضمان انتفاع العاملين السعوديين بها. توفير السكن لعدد متزايد من السكان ذكر تقرير صندوق النقد أنه يتعين على السعودية زيادة عرض المساكن، لمواجهة الاتجاهات الديموغرافية، والحد من الضغوط المفروضة على الإيجارات. وازداد الطلب على المساكن نتيجة التوسع الحضري، والنمو السكاني، وتضاؤل عدد الأسر متوسطة الحجم. ونظرا لندرة المساكن الميسورة التكلفة، ارتفعت الإيجارات ارتفاعا حادا في الفترة بين 2007م و2011م، وكان هذا أحد الأسباب الرئيسة للتضخم. وأكدت السلطات السعودية، وفقا للتقرير، على انتهاج جوانب متعددة لمواجهة مشكلة الإسكان، عبر إقرار قانون جديد بشأن الرهن العقاري، وإنشاء مساكن ميسورة التكلفة بتوفير أراض وقروض دون فائدة للمواطنين، ومقترح بإنشاء شركة لإعادة التمويل العقاري تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة. واتفق خبراء الصندوق على أن الجهود المبذولة لزيادة توفير السكن ملائمة، ومن شأنها المساهمة بدرجة كبيرة في تعزيز النمو الشامل. وينبغي أن يؤدي قانون الرهن العقاري الجديد إلى زيادة فرص الحصول على التمويل العقاري، وتم وضع مبادئ توجيهية لتنظيم المؤسسات غير المصرفية التي تدخل سوق القروض العقارية والرقابة عليها. ترشيد الاستهلاك المحلي للطاقة أشار التقرير إلى اتفاق واسع على أن الاستهلاك المحلي للطاقة سيستمر في الارتفاع على نحو حاد، في ظل النمو السكاني، ما لم يتم إصلاح السياسات، وذكر أن السعودية من أعلى البلدان على مستوى العالم من حيث مستوى استهلاك الفرد للطاقة، ومن أقل البلدان من حيث أسعار الطاقة. ويتيح هيكل الأسعار حوافز للاستثمار في الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، وقد يؤدي إلى استمرار الزيادة السريعة في الاستهلاك المحلي للطاقة، وإذا ما استمر نمو الاستهلاك المحلي بالمعدلات الحالية، فسيتجاوز 20 في المائة من الناتج في عام 2018م (16 في المائة حاليا)، وفقا للتقرير. وأوصى خبراء الصندوق السلطات بالبدء في وضع خطط لزيادة الأسعار المحلية للطاقة، إذ سيساعد زيادة أسعار الطاقة تدريجيا في الحد من النمو السريع في الاستهلاك المحلي، وتقليص الحوافز في نموذج النمو الحالي التي تشجع الصناعات الكثيفة الاستخدام للطاقة، وتعزيز وضع المالية العامة. ورغم أن أسعار الطاقة المنخفضة إحدى وسائل توزيع الثروة النفطية على السكان، فإن أغلب المزايا ينتفع بها السكان الأفضل حالا، لكن زيادة أسعار الطاقة سيكون لها تأثير سلبي في الفقراء والفئات الضعيفة، وسيتعين اتخاذ التدابير التعويضية اللازمة. وستحتاج الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة إلى وقت لتعديل هيكل الإنتاج والتكلفة، لتظل قادرة على المنافسة، ويتضح من التجارب الدولية في مجال إصلاح أسعار الطاقة ضرورة وضع خطة محكمة لتعديل السياسات، وتنفيذها تدريجيا، وتعريف السكان والشركات بها، وشرحها لهم بوضوح. وأكدت السلطات، وفقا للتقرير، اتخاذها خطوات لاحتواء نمو الطلب المحلي على الطاقة وزيادة المصادر البديلة للطاقة، وتركز هذه التدابير على جانب الطلب في الأساس على زيادة كفاءة الطاقة من تحسين المعايير المنظمة للبناء واستخدام الأجهزة الكهربائية. وأيضا تركز على جانب العرض، حيث يجري حاليا تنويع مصادر الطاقة عبر مواصلة تطوير إنتاج الغاز والاستثمار في الطاقة الشمسية لتلبية الاحتياجات المحلية، ووفقا للخطة في الأجل المتوسط، يمكن اعتبار زيادة أسعار الطاقة خيارا لاحق بعد بحث خيارات تطوير وسائل النقل العام. السياسات الاقتصادية في الأجل القريب قال صندوق النقد أن معدل التضخم ارتفع ويتعين مراقبته من كثب في الفترة القادمة، فقد زاد التضخم الكلي منذ منتصف عام 2012م إلى 3.8 في المائة في شهر أيار (مايو) الماضي، ويُرجح أن يظهر في الفترة القادمة عدد من العوامل المتعارضة التي تحدد مسار التضخم. فقد يرتفع التضخم في الشهور المقبلة نتيجة الضغوط الموسمية في شهري رمضان والحج، ثم ينخفض قرب نهاية العام، وهناك عوامل يُفترض أن تؤدي إلى تقليص الضغوط التضخمية، منها تراجع آفاق النمو العالمي نسبيا، مما قد يحد من التضخم المستورد. وعلى الجانب الآخر، قد يؤدي ارتفاع تكلفة العمالة، نتيجة الإصلاحات الجارية في سوق العمل، إلى زيادة الأسعار، كما أن استمرار النمو القوي في القطاع غير النفطي قد يفرض ضغوطا شديدة على الطاقة الإنتاجية للاقتصاد المحلي. وفي ظل تطبيق نظام سعر الصرف الثابت، تعتمد مؤسسة النقد العربي السعودي اعتمادا أساسيا على أدوات السلامة الاحترازية الكلية لإدارة مخاطر الطلب والمخاطر النظامية التي تهدد القطاع المالي، وقد ثبتت فعالية إطار السلامة الاحترازية الكلية، وحقق أغراض مؤسسة النقد في الأزمة المالية العالمية. وتمثل نسبة القروض إلى الودائع، ونسبة الاحتياطي القانوني، وهما نسبتان تنظيميتان تحددهما مؤسسة النقد؛ الأدوات الأساسية التي تعتمد عليها سياسة المؤسسة، وتعقد مشاورات دورية مع المصارف لتيسير عملية تكوين الاحتياطيات الرأسمالية والمخصصات، وأشار خبراء الصندوق إلى إمكانية تنظيم الممارسات الحالية لمؤسسة النقد على نحو أكثر وضوحا، بوضع سياسات السلامة الاحترازية الكلية في إطار رسمي يتسم بالوضوح والشفافية. واعتبر خبراء الصندوق أوضاع سياسة الاقتصاد الكلي ملائمة حاليا، لكن أكدوا على ضرورة مراقبة التضخم على خلفية النمو القوي المستمر الذي يشهده القطاع غير النفطي، كذلك تبدو أوضاع سياسة السلامة الاحترازية الكلية ملائمة حاليا، وفي حالة ظهور أي بوادر لضغوط تضخمية، أو ارتفاع النمو الائتماني؛ سيتعين حينها إبطاء مشاريع الإنفاق، أو تشديد سياسات السلامة الاحترازية الكلية أو كليهما. وترى السلطات السعودية احتمالات محدودة لحدوث فورة في النشاط الاقتصادي في الأجل القريب، ففي حين اعتبرت السلطات أن توقعات النمو التي وضعها خبراء الصندوق لعام 2013م "متشائمة"، توقعت انخفاض التضخم في ظل الاقتصاد السعودي المفتوح، وتراجع آفاق النمو العالمي، وتدني الأسعار العالمية للغذاء. تنمية القطاع المالي وسعر الصرف يتمتع القطاع المصرفي بمستوى جيد من رأس المال والسيولة والربحية، واستمر تراجع القروض المتعثرة، وأشارت السلطات إلى أن السعودية من أوائل البلدان التي طبقت معايير "بازل 3" الخاصة برأس المال، ولم تجد المصارف السعودية أي صعوبة في الالتزام بنسب رأس المال، والسيولة، والرفع المالي؛ التي حددتها لجنة بازل. وقد تم إحراز تقدم في تنفيذ العديد من توصيات التقرير التحديثي لبرنامج تقييم القطاع المالي لعام 2011م. وقامت مؤسسة النقد بتخفيض الحد الائتماني المسموح به لفرادى المقترضين، ووضعت اختبارات لقياس قدرة الجهات المصرفية على تحمل الضغوط، وتجري حاليا مراجعات على قوانين التأمين. ومنذ إقرار قانون الرهن العقاري في شهر تموز (يوليو) 2012م، تم تحديد نسبة القرض إلى القيمة على القروض العقارية، وستقوم المؤسسات غير المصرفية بدخول سوق الرهن العقاري بترخيص من مؤسسة النقد وتحت إشرافها. وقد أمكن زيادة الإقراض الممنوح لقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة بفضل تعزيز نظام الاستعلام الائتماني وتحسين القدرات المحاسبية والإدارية لأصحاب المشاريع، كذلك أصدرت هيئة السوق المالية قواعد جديدة للسلامة الاحترازية وتسجيل الشركات بالبورصة، وتهدف هذه القواعد إلى تعميق الأسواق المالية مع الحد من المضاربة وتعزيز آليات حماية المستثمرين. ويُنظر حاليا في فتح سوق الأسهم أمام الشركات الأجنبية المباشرة، لكن مع توخي الحذر، وفي حين لا تخطط الحكومة لإصدار ديون على النحو اللازم لخلق منحنى للعائد، قامت مؤسسات القطاع العام أخيرا بزيادة إصدارها من الصكوك. ولا يزال نظام سعر الصرف الثابت ملائما في ظل هيكل الاقتصاد السعودي حاليا، ويضفي الربط بالدولار مصداقية على السياسة النقدية واستقرارا على التجارة وتدفقات الدخل والثروة المالية، نظرا لأن المنتجات النفطية المقومة بالدولار تمثل الجزء الأكبر من الصادارات وارتفاع حجم الأصول الخارجية المقومة بالدولار. وقد تتغير التكاليف والمزايا الناشئة عن ربط سعر الصرف بمرور الوقت، مع استمرار تطور هيكل الاقتصاد، من حيث الروابط الاقتصادية الكلية، ونتيجة الإصلاحات الجارية في سوق العمل، واقترح خبراء الصندوق إجراء مراجعات دورية بالتنسيق مع بلدان مجلس التعاون الخليجي الأخرى للوقوف على مدى ملائمة الربط. سياسة المالية العامة يتسم مركز المالية العامة بالقوة، وتنشأ مخاطر المالية العامة أساسا من أسعار النفط، ففي السنوات الأخيرة، تمكنت الحكومة من تمهيد تقلبات أسعار النفط، وتحقيق فوائض كبيرة في الموازنات العامة، عبر خفض الدَّين القائم إلى أقل من 4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وبناء ودائع لدى البنك المركزي بنسبة 58 في المائة من إجمالي الناتج المحلي تكفي لتغطية نفقات 20 شهرا تقريبا. ومع ذلك، ارتفع السعر المحقق لتعادل رصيد المالية العامة في السنوات الأخيرة، وتنشأ أكبر مخاطر المالية العامة من الانخفاض المستمر في أسعار النفط. وعلى هذه الخلفية، هناك ثلاث أولويات لسياسة المالية العامة، فإلى جانب إدارة الطلب الكلي على المدى القريب، يجب أن تقوم سياسة المالية العامة بالحد من تقلبات الإيرادات النفطية لضمان عدم إجراء عمليات تصحيح مفاجئة، ومسايرة للاتجاهات الدورية في النفقات الحكومية المخططة نتيجة التقلبات في أسعار النفط. وعلى المدى الأطول هناك أولوية ثالثة، وهي ضمان استفادة الأجيال القادمة والحالية من الإيرادات النفطية المحققة، سواء عبر المدخرات المالية، أو كفاءة الاستثمار الحكومي الذي يدعم النمو الأقوى في المستقبل. وأكد خبراء الصندوق على أن مفهوم الرصيد الكلي للموازنة سيكون مفيدا، كوسيلة للحد من تقلبات الإيرادات النفطية، وقد حققت السلطات في المتوسط رصيدا هيكليا ضئيلا موجبا، ويعني تحقيق رصيد هيكلي يقارب الصفر، حسب التوقعات في 2013م، أن النفقات الحكومية تتسق مع الاتجاه الأساسي للإيرادات النفطية، وهو هدف معقول في المدى. ومع توقع تراجع أسعار النفط، وحجم الإنتاج في الأجل المتوسط، فإن تحقيق رصيد هيكلي مقداره صفر يعني تباطؤ وتيرة إنفاق المالية العامة، على النحو الوارد في السيناريو الأساسي، ومن المتوقع ثبات الإنفاق الحقيقي في الأجل المتوسط، نتيجة تراجع الارتفاع الكبير في الإنفاق الرأسمالي، ويعني هذا تصحيح العجز غير النفطي الذي يقارب 14 في المائة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بين عامي 2012م و2018م. وأوصى خبراء الصندوق باتخاذ عدد من التدابير على مستوى السياسات، لضمان مواصلة تخفيض عجز الموازنة في 2018م وما بعدها، وتتضمن هذه التدابير مواصلة وضع قيود محكمة على الرواتب والأجور، وتطوير مصادر الإيرادات غير النفطية (ضريبة القيمة المضافة، والضرائب غير المباشرة) بما يتماشى مع زيادة حجم الاقتصاد غير النفطي، ورفع أسعار الطاقة المحلية تدريجيا مع مرور الوقت، وضمان جودة الإنفاق وكفاءته، بما في ذلك عبر الاهتمام الوثيق بالنتائج التي يتم تحقيقها في قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية لضمان تحقيق أهداف هذا الإنفاق. وأكد الخبراء على فوائد وضع إطار رسمي للموازنة في الأجل المتوسط، وإنشاء وحدة المالية العامة الكلية ونشر بيانات المالية العامة وفقا لدليل إحصاءات مالية الحكومة لعام 2001م. ويمكن المساهمة في وضع خطط المالية العامة وشفافيتها عبر إنتاج ونشر البيانات بما يتسق مع المعايير الواردة في دليل إحصاءات مالية الحكومة لعام 2001م. وأشارت السلطات إلى أنها كانت تعمل على تعزيز الإدارة المالية، عبر تطبيق نظام معلومات الإدارة المالية الحكومية، وإلى أنها كانت تتجه إلى تنفيذ دليل إحصاءات مالية الحكومة لعام 2001م، عبر الحصول على المساعدة الفنية من الصندوق. واتخاذ إجراءات مبكرة لمعالجة النقص في تمويل المعاشات قد يساعد على تقليل مخاطر المالية العامة في المستقبل، وأوضحت المناقشات مع الهيئتين الرئيستين للمعاشات (الصندوق العام للتقاعد، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية) عدم كفاية المساهمات لتمويل مزايا التقاعد بالكامل على أساس فردي. ورغم أن العوامل الديموغرافية المواتية ستغطي هذا النقص لسنوات عديدة، فإنه سيتحول في نهاية الأمر إلى تكلفة مالية، والدرس المستفاد من الوضع شديد الصعوبة الذي يسود العديد من البلدان الصناعية حاليا هو أنه من الأفضل بكثير معالجة هذه القضايا المتعلقة بمعاشات التقاعد في مرحلة مبكرة وقبل أن يقترب السكان صغار السن حاليا من سن التقاعد. لمشاهدة التقرير كاملا " أضغط هنا "