تبلغ مساحة ليبيا ضعف مساحة فرنسا وألمانيا وهولندا وبريطانيا، ويتبقى ما يكفي لدولتين أخريين على الأقل. ولها ساحل متوسطي يبلغ طوله 1600 كيلومتر. وعندما نستخدم مصطلح «متوسطي» نعني المناخ المثالي في الاعتدال وحركة الفصول. وفوق هذه المساحة يعيش ستة ملايين نسمة، مليونان منهم الآن في تونس، ينتظرون مع ملايين العراقيين والسوريين «عودة الأحوال إلى طبيعتها» من أجل أن يعودوا بدورهم إلى ديارهم. إضافة إلى 1.8 مليون كلم مربع، وأطول ساحل على المتوسط، وكونها الدولة السادسة عشرة في العالم من حيث الحجم، تحتل ليبيا المركز العاشر عالميًا بين الدول المنتجة للنفط، الذي هو – للمناسبة – الأعلى جودة والأقل كلفة في الاستخراج والشحن إلى أوروبا المجاورة. على ماذا يتقاتل الليبيون في هذه الأرض الواسعة الغنية بجميع أنواع الثروات الطبيعية وهم ستة ملايين إنسان، يقدر دخل الفرد بينهم بـ14 ألف دولار، من بين الأعلى في العالم العربي؟ فلا هم متفقون على الحكومة، ولا على البرلمان، ولا على الجيش، ولا على المناطق، ولا على شكل الدولة، ولا على سفرائها، ولا على العلاقة مع أي دولة من دول الجوار المغاربي أو المصري؟ لا بد أن الليبيين يريدون شيئا ما. لكن إلى الآن هو سر لا يعرفه أحد. وقد وضع الدكتور طارق متري، أول مبعوث أممي بعد الثورة، كتابًا عن تجربة عامين في المتاهة الليبية خلاصته «كان الله في عون الشعب الليبي، وفي عون المبعوثين الدوليين، خصوصًا إذا كانوا في هدوء طارق متري ودبلوماسيته وكياسته». الهجوم الذي شنته فرقة ليبية على تونس، ذكّرنا جميعًا بيوم ضاقت 1.8 مليون كلم مربع بقائد الجماهيرية العظمى، فراح يطلب الوحدة الفورية مرة مع مصر، ومرة مع المغرب، ومرة مع السودان، ومرة مع تونس حيث جلس الحبيب بورقيبة يرتعد من الفكرة. يا إخوان، رفقًا بتونس، بلد صغير ويكاد لا يقوم بحمله، ومع ذلك فتح أبوابه وسيعة وعالية يوم تسبب العقيد لبلاده بالحصار، وفتح أبوابه وقت الثورة على الجرذان، وفتح أبوابه يوم اندلعت الحروب الأهلية بدل أن تبتهج ليبيا بأهم انفراج وطني منذ أربعة عقود. يا إخوان، عندكم من الأرض لإعلان ألف إمارة، ويفيض. ارحموا جارتكم. وارحموا شعبكم الذي لم يفق بعد من كوابيس اللجان. دعوا شعبكم يتنفس.