كثير من الناس حرمهم الله نعمة إنجاب الأطفال وهم يبحثون عن طفل بأية طريقة، وقد يصل بهم الأمر أحياناً إلى ارتكاب جريمة تعرضهم لدخول السجن من أجل الحصول على طفل، لكن الأمر اختلف مع المهندس حاتم فعلى الرغم من أن العلاقة بين والديه كزوجين كانت تعد علاقة مثلى ولا توجد أية مشكلات مادية بينهما فهما ميسورا الحال، لاحظ أن جميع المشكلات التي تنشأ بينهما كان مصدرها الوحيد اختلافهما على طريقة تربيتهما لأبنائهما، لذلك تولد داخله شعور كاذب بأن السبب الأول والأخير في المشكلات الزوجية هو وجود الأبناء، وزاد هذا الشعور داخله بعد وفاة شقيقه الأصغر إثر تعرضه لحادث وما سببته الوفاة الفجائية من حزن وألم لوالديه، فتأكد له أن تعاسة الآباء يجلبها لهم أبناؤهم سواء أكانوا أحياء أم أمواتاً.. اعتقاد خاطئ سيطر عليه ومع الوقت أصبح يقيناً بالنسبة إليه، ومع أنه تخرج في كلية الهندسة بتفوق وشهد الجميع بعقله الفذ ظلت أفكاره كما هي ولم تتغير. نبض قلبه بالحب لزميلته في الدراسة والعمل وقررا الزواج وكان الزواج مشروطاً من الزوج بعدم الإنجاب ووافقته العروس وهي تمني نفسها بأنها ستكون قادرة على إقناعه بتغيير رأيه بعد الزواج، لكنها فشلت في محو أفكار ومعتقدات رسخت داخله على مدى 25 عاماً، لكن عاطفة الأمومة كانت أقوى من اتفاقهما على عدم الإنجاب، فقررت أن تنجب وتضعه أمام الأمر الواقع وفور علمه بحملها لم يكن لديه سوى رد واحد. عاش حازم الحرمان الحقيقي بكل أنواعه..الحرمان من حنان والديه بعد وفاة والدته وهو رضيع وزواج والده بأخرى تحت شعار رعاية طفله الرضيع، كما عانى الحرمان من كل احتياجاته ومتطلبات الحياة من أكل ولبس ومكان نظيف ينام فيه، لذلك قرر بعد أن تزوج ورزقه الله رزقاً واسعاً ألا يحرم أحداً من أبنائه من أي شيء مهما كان..اختلف مع زوجته التي أحبها حباً لا يوصف وتزوجت به وهو فقير وتحدت الجميع من أجله، فهي من أسرة ميسورة الحال لم يكن بينهما شيء يختلفان عليه سوى طريقة تربيتهما لأبنائهما، فالأب يريد أن يعوض أبناءه عن الحرمان الذي عاناه طوال حياته، والأم تدرك أن الاستجابة لكل طلبات الأبناء من دون حدود تعتبر إفراطاً في التدليل وتكون مؤشراً إلى خلق جيل بلا مسؤولية، لذلك لم يتذكر حاتم - الابن الأكبر - يوماً اختلف فيه والداه على شيء إلا كان هو وأشقاؤه السبب الأول له، فلم يحدث بينهما خلاف على مصروف المنزل أو اعترض أحدهما يوماً على أي قرار اتخذه الآخر بأي شأن سوى أمر أبنائهما فرسخت داخل حاتم فكرة أن الأبناء هم مصدر إزعاج لوالديهما وأن ما يسلب الزوجين السعادة هو إنجاب أبناء، وتأكدت فكرته بعد أن توفي شقيقه الأصغر إثر تعرضه لحادث أليم وإصابة والدته بحالة اكتئاب وحزن لازماها حتى وفاتها، فقد كان شقيقه الأصغر أحب وأقرب الأبناء إلى قلبها..لم يكن كره حاتم للإنجاب فقط وإنما قرر عدم الزواج على الإطلاق، لكنه عدل عن قراره بالعزوف عن الزواج بعدما ارتبط مع أماني زميلته في كلية الهندسة ونشأت بينهما علاقة عاطفية حيث جذبها إليه بهدوئه وعقلانيته وأيضاً بوسامته ويسر أحوال أسرته المادية، أما هو فقد أعجب بتوددها له ورقتها ونعومتها والأهم إصرارها على الارتباط به، وبعد صراع داخلي بين حب حاتم زميلته أماني ورفضه فكرة الزواج استسلم لحبها وبدأ يفكر في الزواج لكن المستحيل من وجهة نظره أن ينجب، فقرر أن يصارحها بقراره بعدم الإنجاب فقابلت أماني تصريحاته بدهشة شديدة فلم تتخيل يوماً أن تكون عقدة حاتم وتهربه منها ترجع إلى رفضه فكرة الإنجاب، فنصبت من نفسها طبيباً نفسياً وقررت أن تعالجه وتساعده على التخلص من معتقداته الخاطئة، وكانت أولى مراحل العلاج في رأيها إبداء موافقتها على عدم الإنجاب وأنه يكفيها الارتباط به. بعد تخرجهما في الجامعة بتفوق والتحاقهما بالعمل في أحد المكاتب الاستشارية قررا الزواج، خاصة وأن والد حاتم لم يترك عقبة أمام إتمام زواجهما إلا أزالها بداية من شراء شقة تمليك في أحد الأحياء الراقية ثم تجهيزها بأفخر الأثاث حتى حفل الزفاف الذي أقامه لهما في أحد فنادق الخمس نجوم حضره كل الأهل والأقارب والأصحاب وكانت ليلة من ألف ليلة وليلة كما يقولون، ومنذ الليلة الأولى للزواج طلب حاتم من عروسه أن تحرص على استخدام إحدى وسائل منع الحمل، فهو لا يريد السهو أوالأخطاء غير المقصودة، وحذرها من العواقب الوخيمة التي يمكن أن يتعرض لها زواجهما لو حدث وحملت. عاش الزوجان في سعادة وهناء ولم يعد ينقصهما شيء من وجهة نظر جميع من حولهما سوى إنجابهما وأصبحت أماني تتحاشى الأسئلة التي تطرح عليها بسبب تأخر حملها، خاصة وأنه مر على زواجهما أكثر من عام حتى ضاقت من نظرات الاتهام التي توجه إليها بأنها عاقر وعاجزة عن الإنجاب وتلميحات بعض قريبات حاتم بضرورة زواجه مرة أخرى حتى ينجب الوريث لثروة والده الكبيرة..ضاقت أماني من هذه الأحاسيس وحاولت مراراً وتكراراً وبهدوء أن تغير من فكر زوجها المهندس البارع ذي الذكاء الحاد، لكن لم تكن لديه أية رغبة في العدول عن قراره.. فشلت أماني في علاج نفسية زوجها وبعد تفكير طويل قررت الاستجابة لعاطفة الأمومة التي سيطرت عليها وجعلتها تفكر في أمومتها مهما كان الثمن غالياً ويعرضها للانفصال عن زوجها الذي أحبته بشدة.. ومما زاد من إصرارها أنها سمعت والده يطلب منه الزواج من أخرى وأنها ليست لها عنده أية حقوق وأن طلاقه لها لن يكلفه سوى نفقة متعة عن فترة زواجهما، والغريب أن حاتم لم يصارح والده بأن زوجته سليمة وبأنه هو الرافض لفكرة الإنجاب، لذلك قررت أماني الإنجاب وبالفعل حملت سراً وعزمت على ألا تخبر زوجها حتى لا يرغمها على الإجهاض وكانت مفاجأة بالنسبة إليه بعد خمسة أشهر من حملها، حيث بدأت علامات الحمل تظهر عليها، فقد زاد حجم بطنها وكانت المواجهة صعبة بين الزوجين فالزوج حاتم لم يطرح عليها سوى سؤال واحد ليتأكد من حملها ولم تكن لديه أية رغبة في الاستماع إليها فخيرها بين أمرين لحل المشكلة إما الإجهاض وإما الطلاق وكانت فكرة الإجهاض قاسية على أماني كما أنها كانت تود أن تنجب طفلاً لعل حاتم عندما يراه يتراجع عن رأيه ويرق قلبه له لكنها كانت واهمة فقد طردها حاتم من الشقة ومن حياته بأسرها. مرت الشهور المتبقية من حملها ثقيلة عليها حتى وضعت طفلها الذي أدخل الفرحة على قلبها الحزين المجروح من تفريط زوجها فيها بهذه السهولة، وبعد أن تعافت أماني واستردت صحتها وأمام عناد حاتم وإصراره على موقفه ورفضه مجرد رؤية طفله أقامت دعوى أمام محكمة الأسرة لتمكينها من الشقة باعتبار أنها حاضنة فحكمت لها المحكمة بتمكينها من الشقة، كما أقامت دعوى أخرى للحصول على الطلاق ودعوى ثالثة للحصول على نفقة لطفلها الصغير.