×
محافظة المدينة المنورة

أنجزته الهيئة العليا للسياحة متحف سكة حديد الحجاز تحول ثقافي تجاه التراث الوطني

صورة الخبر

خلف عائد السّحوم رغم أن المملكة من أعلى الدول إنفاقاً على التعليم ـ فهي تنفق ربع ميزانيتها السنوية عليه ـ ورغم أن كثيرين كتبوا وما زالوا يكتبون عن التعليم وشؤونه وشجونه باعتباره شأناً عاماً يهم كل المواطنين، ورغم أن وزارة التربية لا تألو جهداً في تشخيص الخلل ومحاولة البحث عن العلاج حتى بات جسد التربية لدينا مشوهاً من كثرة الندوب التي تركها مبضع الوزارة فتارة عملية هنا وتارة جراحة هناك .. ولكن .. لم يستطع أحد حتى الآن أن يضع يده على موطن الداء الذي يتمثل في ضعف مخرجات التعليم لدينا، فالكل يشخص، والكل يدلي بدلوه، والكل يناقش ولكن المرض استعصى ـ حتى الآن ـ على كل المخلصين الباحثين عن موطن العلة. ولأنني قد أغلقت ـ ولله الحمد ـ قبل أيام سجلات السنة التاسعة والعشرين من خدمتي في التعليم وفتحت سجلات السنة التالية فإني أرى أنه لدي الحق في إبداء رأيي في هذا الشأن ـ بل يجب علي وجوباً ـ فأقل مؤهلاتي أنني ما زلت في الميدان. وبعد تقليب النظر طويلاً في هذا الأمر، ودراسته من جميع جوانبه وجدت أننا كلنا دون استثناء شركاء في تردي مستوى مخرجات التعليم في بلادنا: الوزارة، والمشرف التربوي، والمعلم، ومدير المدرسة، والطالب، والأسرة .. جميعهم ساهموا في هذا التردي المريع كيف ؟ الوزارة أنفقت كثيراً في تطوير المباني والمناهج، ولكنها جنت جناية كبرى على التعليم بجعلها النجاح سهلاً! ميسوراً! فكل الدول ذات التعليم القوي والمخرجات الجيدة تتميز بتعليم صارم لا يحابي الطالب، بل يجعل النجاح عزيز المنال، لا يحصل عليه إلا من بذل ثمنه. أما نحن فقد جعلنا نظام المهارات في المرحلة الابتدائية يزف الطالب للمرحلة المتوسطة دون عناء. ولا أقول هنا إن نظام المهارات نظام خاطئ بالكامل بل أقول إنه بشكله الحالي ساهم بشكل كبير في تدني مستوى مخرجات التعليم. وقد وصفت العلاج في مقال سابق نشر بعنوان (تقويم الطلاب في المرحلة الابتدائية) في إحدى الصحف المحلية. أما في المراحل الأعلى فالأمر ليس أحسن حالاً ـ بل يدمي القلب ـ فاللائحة تتيح للطالب النجاح في مواد في غاية الأهمية ( رياضيات، لغة إنجليزية، كيمياء، فيزياء، أحياء) إن حصل على 75% من النهاية الصغرى لدرجة النجاح أي 28 درجة !! تخيلوا هذا!! ثم نتباكى على مخرجات التعليم، ونبحث عن الحلول ونحن من سن تلك الأنظمة!. أما المشرف التربوي فقد جردته الوزارة من جميع الوسائل التي تعينه في عمله وتحفظ له مكانته التربوية ! فلا يشارك في تقييم الأداء الوظيفي للمعلم ! ولا يكثر الزيارات الميدانية لأنه أشغل بكثير من المهام الجانبية التي أثّرت بشكل كبير على عمله. ولمدير المدرسة نصيبه من مسؤولية تردي الناتج التعليمي، فالمدير الذي لا يبرح مقعده، ولا يعلم عما يدور في الفصول هو شريك بلا شك في هذه الجريمة، والمدير الذي صبّ كل جهوده في أعمال ورقية لا تخدم التربية والتعليم في شيء هو شريك بلا شك في هذه الجريمة، والمدير الذي يقضي 50% من يومه الدراسي في مكتبه مدير فاشل وشريك بلا شك في هذه الجريمة. أما الطالب فلا همة لديه، ولا رغبة في التعليم، ولا استعداد لبذل أدنى جهد في تحصيله، فهو يعلم أن النجاح حاصل في كل الأحوال وبالتالي فلا دافع ولا همة بل تكاسل وتراخٍ، فعندما يكلف المعلم الطلاب بحفظ نص ـ أي نص ـ فلن يتجاوز عدد الحافظين الثلاثة طلاب أو الخمسة في أحسن الأحوال، وإن كلفهم بواجب منزلي فالحال كذلك، وإن نهرهم وأغلظ عليهم فالويل له ثم الويل فهو المخطئ المدان في نظر الجميع، وسوف يتعاقب عليه المحقق تلو المحقق ! وللأسرة نصيبها من ضعف مخرجات التعليم لدينا ! فكثير من الأسر لا تكترث أذهب الطالب للمدرسة أم هو غائب؟، ولا يسأل عن واجباته المنزلية ! ولا يحاسب إن قصر فيها ! بل إن كثيراً من الأسر لا تقوم بأبسط الواجبات وهو تنظيم نوم الطالب ! وبالمقابل توفر له كل وسائل الترفيه ! والملهيات من ( بلايستيشن) وأجهزة لوحية، وهواتف ذكية .. إلى آخر تلك القائمة ، وأرجو أن لا يفهم أحد أنني أنادي بحرمان الطالب من هذه الوسائل العصرية، بل على العكس تماماً لا بد أن يعيش الطالب عصره بكل ما فيه، ولكنني أنادي بتقنين استعمال تلك الوسائل، فالأولوية المطلقة للتعلم والدراسة، وتلك الأجهزة مرحبٌ بها ما دامت لا تؤثر سلباً على تحصيل الطالب العلمي، أما إن أثرت فهي عدو يجب قطع شره. أما نحن معاشر المعلمين فالحديث عنا يطول ويطول، فنسبة ليست يسيرة منا أزمتها أزمة ضمير .. نعم أزمة ضمير .. واسمحوا لي بقول ذلك فأنا في الميدان أسمع وأرى ! فالمعلم الذي يقضي الأسبوع الأول من كل فصل دراسي دون أن يدرس طلابه ما أسند إليه لديه أزمة ضمير ! والمعلم الذي يدرس جزءاً من المقرر ويترك أجزاءً لديه أزمة ضمير ! والمعلم الذي يتفنن في إضاعة الوقت أثناء الحصة وينشغل بكل شيء إلا التعليم لديه أزمة ضمير ! والمعلم الذي يحرص كل الحرص أن لا ينقطع عن التغريد ومتابعة المغردين حتى أثناء الحصة لديه أزمة ضمير ! والمعلم الذي يتابع بكل شغف الواتس آب إرسالاً واستقبالاً أثناء الحصة لديه أزمة ضمير ! والأعجب من ذلك كله من يتشاغل ببعض النوافل ـ مثل قراءة القرآن ـ أثناء الدرس بحجة قلة عدد الطلاب لديه سوء فهم للدين فقد قدم نافلة على واجب ! ولديه أزمة ضمير ! والمعلم الذي يكثر الغياب لديه أزمة ضمير! والمعلم الذي يتأخر في دخول حصته أو يخرج منها قبل نهايتها لديه أزمة ضمير ! والمعلم الذي يتأخر صباحاً لديه أزمة ضمير. أما العلاج فيكمن في عدة أمور منها : 1 ـ إعادة النظر في عيوب نظام المهارات، وإصلاح ما أعوج منه، والإبقاء عليه في الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية فقط. 2ـ إعادة النظر في لائحة تقويم الطالب بحيث تصبح النهاية الصغرى لدرجة النجاح 60% لجميع المواد دون استثناء. 3ـ إسناد مهمة تصميم الاختبارات إلى المركز الوطني للقياس والتقويم بحيث تتولاها وزارة التربية والتعليم فقط ثم تطبيق الاختبارات التي صممها المركز. 4ـ أن يقتصر دخول اختبارات الدور الثاني على الطلاب ذوي الظروف الخاصة الذين تعذر عليهم دخول الاختبارات لأي سبب مقبول، أما من أخفق فعليه أن يعيد السنة الدراسية. 5ـ ربط العلاوة السنوية للمعلم بدرجة أدائه الوظيفي، بحيث يكون حدها الأعلى 5% وحدها الأدنى صفر. 6ـ جعل المشرف التربوي شريكاً في تقييم الأداء بحيث يتولى الجوانب الفنية ويتولى مدير المدرسة الجوانب الإدارية . ولا قيمة لذلك إن لم يربط الراتب بدرجة الأداء الوظيفي . 7ـ حسم مبلغ محدد عن كل حصة يغيب عنها المعلم من راتبه وإضافتها لراتب المعلم الذي شغل الحصة بدلاً عنه ، بحيث يصبح هذا نظاماً آلياً يتولى مدير المدرسة إدخال بياناته أولاً بأول . 8ـ تركيب كميرات مراقبة في جميع الفصول والممرات لمراقبة أداء المعلمين وسلوك الطلاب من قبل إدارة المدرسة ـ وقد طبق ذلك في إحدى المدارس الثانوية ببريدة ونجحت في ضبط سلوك الطلاب ـ ، فمن لا يخاف الرقيب الأعلى جعل الله في قلبه الخوف من الرقيب الأدنى . ختاماً .. أعلم أني كنت قاسياً بعض الشيء ، لكنها الغيرة على بلدي وأبناء بلدي ومستقبل وطني ، ولأن التهاون في معالجة هذا الأمر لا يمس أفراداً بعينهم ، ولا عدداً محدداً من الناس بل يدمر أمة بكاملها . اللهم هل بلغت ؟ اللهم فاشهد .