×
محافظة حائل

بالأسماء.. تعيين 49 خريجة من معاهد المعلمات على وظائف إدارية

صورة الخبر

سأشارككم سؤالاً راودني كثيراً، كما سأعرض عليكم إجابتين وضعني أمامهما صديقان يختلفان عن بعضهما بعضا في المشرب، وإن كانا يشتركان في عدة سمات، أبرزها أن كليهما يحمل مقصداً خيراً في نظرته إلى الوجود. كثيراً ما تساءلت عن السر الكامن وراء ثنائية الغنى والفقر، وعن حتمية تلازم وجودهما في العالم؟ فهل وجود أحدهما يقتضي وجود الآخر؟ وما مدى إمكانية وصول البشر إلى عالم بلا فقر ولا عوز؟ طرحت سؤالي ذات مرة على صديق كان من المواظبين على الوعظ في المساجد، وحث الناس على البر في المناسبات الاجتماعية. فرد علي بإجابة مفادها هو: "أن ما نشاهده من تفاوت في الرزق تقف وراءه حكمة كونية، فتفاضل الناس يقتضي حاجتهم إلى بعضهم البعض، وتسخير الأدنى للقيام بخدمة الأعلى، فذلك ما يخلق الحركة الدافعة التي نراها في الكون. كما أن هذا كفيل بخلق المعاني السامية في نفوس البشر، كالرحمة بالضعيف، والصبر على الشدائد، وغير ذلك مما يبطل معناه ببطلان هذا التفاضل. فوجود فقر لدى بعض البشر مرتبط بثراء بعضهم الآخر، ولا سبيل إلى تقليص هذا التفاوت إلا بأداء الأغنياء لما عليهم من حق الزكاة والمبادرة لمساعدة إخوتهم الأقل حظاً بالبر والصدقة". مرت الأعوام قبل أن تحصل المصادفة التي طرحت فيها السؤال ذاته على صديق آخر. كان الصديق هذه المرة شخصاً مهتماً بعلم الاقتصاد ويملك رؤية برهنت على وعيها أمامي في كثير من الأحيان. كانت إجابة صديقي الثاني كالتالي: "يخبرنا علم الاقتصاد بعدم وجود الحدود النظرية لما يمكن أن نصل إليه من تحسن المعيشة أو نماء الثروات، كما أن الأغنياء لا يحتاجون إلى وجود الفقراء كي يصبحوا أغنياء، فضلاً عن أن تحتاج المجتمعات الغنية إلى وجود مجتمعات أفقر كي تنال غناها. هناك فرق بين العالم الذي يجمع فيه الإنسان ثروته بالسطو على محصولات الآخرين، والعالم الذي يغتني الإنسان فيه عبر الابتكار والعمل، دون أن تضطره مصالحه لسلب الآخرين حقوقهم. ولا يوجد إطلاقاً ما يحتم استحالة وصول البشر إلى الخيار الثاني كعالم ملائم للعيش. تصور يا صاحبي أن جميع سكان العالم سيصبحون من حملة الشهادات العليا في العلوم والفنون، فهل هناك ما سيعطل عالمهم الاقتصادي حينها؟ بالطبع لا! ذلك أن عالماً سيصل إلى هذه الدرجة من الرقي المعرفي لن يعدم إنتاج التقنيات التي تقوم بالعمل الشاق بدلاً عنه، فيقل اعتماده على العنصر البشري إزاء اعتماده على الميكنة في الأعمال غير المرغوب بها تلقائياً، (لاحظ الانخفاض الهائل في الاعتماد على خدم المنازل في اليابان مقارنة إلى نسبة وجودهم في الهند مثلاً، وسبب ذلك هو ارتفاع سعر اليد العاملة وتوافر البدائل التقنية لعمل الخادمة هناك)، كما أن عالماً كهذا سيعتمد في ثرائه على اكتساب رأسمال بشري مدرب وهو ما يجعل خيار الاعتماد على الطلبة والمتدربين في أداء كثير من تلك الأعمال وارداً جداً، (ليس لأن مجتمعاتهم تعمل على استغلالهم، بل لأنهم يؤدون تلك الأعمال هادفين إلى صقل المهارات واكتساب الخبرات). حتى لو افترضنا بقاء بعض الأعمال غير المرغوبة في ظل هذا الوضع فما الذي سيحدث؟ سيحدث كل خير، لأن تلك الأعمال سيرتفع أجرها نظراً لقلة العاملين بها، مما يؤدي إلى انتفاء النظرة الدونية لمن يؤدي ذلك الدور بسبب وعي المجتمع بندرته وأهمية ما يقوم به، فضلاً عن أن نظرة إلى مقدار ما سيجنيه في الساعة حينها كاف لإلغاء كل شعور بشماتة أو شفقة. (ربما يلتقي بعضنا باستشاري باطنية مشهور يوماً ما، ولكن كم منا يتساءل، كيف يتعامل مع الأمعاء الغليظة عند كل مرة يضطر فيها إلى ذلك؟) فكر في هذا! من وجهة نظر علم الاقتصاد فإن موارد هذا العالم لا نهائية، كما أن طاقات العقل البشري في استثمارها بأفضل ما يمكن لا نهائية أيضاً. يحمل نزوع البشر إلى ما نراه من سلوك تنافسي متوحش من مظاهر الحمق أضعاف ما يحمل من مظاهر الطمع في حقيقة الأمر، ولذلك قد يبدو ما أحدثك عنه نوعاً من المثالية الطوباوية، رغم استناده إلى مقررات علمية حقيقية يا صاحبي. أخيراً، قد تلاحظ عزيزي القارئ أني لم أسهب في عرض إجابة صديقي الواعظ كما فعلت مع إجابة صديقي الاقتصادي، وما ذلك إلا تماشياً مع ما أتوقعه من ألفة الآذان على سماع الأول دون الثاني. ولكن ماذا لو طلبت منك أن تشاركني التفكير حول ما أجاب عنه هذان الصديقان؟ أي هذين الخطابين تراه أكثر فاعلية في حث الناس على المسلك الأخلاقي أثناء سعيهم المتواصل نحو طموحاتهم وغاياتهم. وأيهما من ناحية أخرى، تراه متسقاً أكثر مع مقاصد الإيمان باتساع الفضل الإلهي، ومجدياً أكثر في بيان مقتضاه؟.