يحق للشعب التونسي أن يفخر بنتائج معركة بن قردان بين قواته المسلحة وجماعات إرهابية، أسفرت عن مصرع العشرات من المجرمين مقابل استشهاد 19 بين أمنيين ومدنيين. فهذه المواجهة كانت متوقعة وفق أسوأ السيناريوهات، بعدما أصبحت الجارة ليبيا ورشة واسعة لصناعة الإرهاب، وبدأت تفيض على جانبيها بالجماعات المتطرفة التي ظلت تنمو وتنتشر منذ إسقاط نظام القذافي. المعركة الأخيرة هي الأولى من نوعها التي تخوضها القوات التونسية منذ عشرات السنين. وبالمقاييس العسكرية، فقد تحقق النصر، أما الإنجاز الأكبر فقد كان سياسياً واجتماعياً، وتمثل في التجلي الكبير للوحدة الوطنية بين مختلف الأحزاب والمنظمات والحكومة ومؤسسات الدولة. وأظهرت الجلسة الطارئة للبرلمان انسجاماً غير مسبوق بين النواب من اليمين واليسار والوسط، فقد غابت انتقادات المعارضة لأداء الحكومة في مثل هذه الحالات، إذ محت الغيرة على البلد الفوارق والتفاصيل بين التيارات السياسية بعدما أبدته الأجهزة الأمنية والعسكرية من جهوزية عالية، وذلك كان أبلغ رد على الإرهابيين ومخططاتهم للنيل من تونس. أما الدرس المستفاد من هذا المشهد فاستنتاج يؤكد أن الوحدة الوطنية هي القوة الوحيدة القادرة على تدمير الإرهاب، والمضادة لأهدافه بنجاعة، وهي الدرع الكبيرة التي تقي الدولة من السقوط في براثن الأشرار. ومن هذا المنطلق يمكن الجزم بأن التجربة التونسية التي حاربت الإرهاب بطريقتها منذ حدوث أول عملية إجرامية في نيسان 2011، باتت أكثر إقناعاً بمضيها إلى أهدافها المنشودة، ومنها القضاء على الخطر الإرهابي وتجفيف منابعه وملاحقة منظريه، وصولاً إلى تحقيق التنمية والازدهار وإرساء تقاليد نظام سياسي يترجم كل هذه التجربة والمقاصد والتطلعات. يأتي إحباط المخطط "الداعشي" لإقامة إمارة في بن قردان ليكمل الصورة، فلو لم تكن تلك الوحدة وتلك الجاهزية لدى قوات الأمن والجيش، لنجح هؤلاء الإرهابيون في تحقيق عملية استعراضية ستكون تداعياتها كبيرة، ليس على تونس وحسب، وإنما على كل دول الجوار الليبي. فالخطة كانت تهدف إلى السيطرة على هذه البلدة، ولو بضع دقائق، وتصويرها في الأشرطة الدعائية لرفع معنويات "الدواعش" المنهارة في كل مكان. ولم يغال من قال إن الضربة التونسية لداعش كانت الأقسى التي توجه مباشرة إلى التنظيم، لا سيما في منطقة (المغرب العربي) التي يروج لها على أن تكون الفضاء الجديد للتنظيمات الإرهابية مع قاعد تركز ونشاط في ليبيا، وهو ما لن يكون إطلاقاً، ليس لأن الشعب التونسي قد أبدى هذه البسالة، وإنما لأن الشعب الليبي الذي اضطُهد وقُهر طويلاً تحت سطوة الإرهاب والميليشيات لن يرضى، بمساعدة الخيرين من العرب والعالم، بالبقاء رهينة لهذا الوضع. من المؤسف جداً أن بعض وسائل الإعلام، ومنها قنوات ضالعة في التحريض والرقص فوق رؤوس الضحايا، قد استبشرت بأنْ فتح داعش جبهة في تونس، وبدأت تصور الأمر، بلا حياء، كأنه حرب أهلية بين مسلحين وقوات نظامية، وليس مواجهة بين جبهة وطنية عريضة ومجموعات إجرامية غادرة، وإن كان بعض عناصرها يحملون الجنسية التونسية. فهذه التغطيات التلفزيونية الخبيثة هي التي جعلت "الدواعش" يبلغون هذا الأوج من الحضور الإعلامي وتلقي دعاية مجانية بحجة الالتزام بالرأي والرأي الآخر. مرة أخرى، يتأكد أن الإرهابيين هم صناعة إعلامية قبل أن يكونوا أي شيء آخر، فهؤلاء ليسوا مردة أو خوارق، وبالإمكان هزيمتهم وسحقهم بأبسط مقومات القوة العسكرية والأمنية، إذا تحصنت الشعوب بالوحدة الوطنية وعملت على سد ذرائع الفتنة والتفريق بين أبناء الشعب الواحد، والأمة الواحدة. وإعادة استقراء معركة بن قردان في تونس ستوحي بكثير من العبر، بما يجعلها محطة تستحق التمعن والاقتباس في الحرب العربية والعالمية على الإرهاب، لأنها بالفعل مواجهة نوعية وفارقة. chouaibmeftah@gmail.com