شارك الآلاف صباح اليوم (الأحد) في تشييع الزعيم الإسلامي السوداني المعارض حسن الترابي، الذي توفي أمس إثر اصابته بذبحة قلبية. وحُمل جثمان الترابي على عربة مكشوفة وسط هتاف مناصريه «الله اكبر لا إله إلا الله». ووضع الجثمان في أرض خارج مقبرة بري الواقعة في شرق الخرطوم، وشارك ثلاثة آلاف شخص في الصلاة قبل أن يوارى الثرى. وفي ما تغيب الرئيس عمر البشير عن التشييع، الذي يشارك في قمة لمنظمة التعاون الإسلامي، شارك فيه نائبه الأول بكري صالح، ووزراء ومسؤولون وسياسيون من مختلف الأحزاب. ومثلّ حسن الترابي «بوصلة» للحركات السياسية في بلاده، والإسلامية منها على وجه الخصوص، وبموته، ثمة من يرى أن هذه الحركات قد تشهد مرحلة من فقدان التوازن. ووصفه زعيم حزب الأمة الصادق المهدي (شقيق زوجة التربي) في بيان أنه «رجل عالم وفذ جمع بين العمل السياسي والفكري، وان رحيله يمثل عظة ودرساً لجميع السودانيين»، مؤكداً أن «التعاون بيني والترابي بُني على اساس ديني وعلى أساس وطني». وقال المحلل السياسي السوداني محمد لطيف لوكالة «رويترز»: «غياب الترابي المفاجئ سيربك الساحة السياسية، وسيكون له تأثير كبير على مسيرة الحوار الوطني، لأن الترابي، وهو أكبر زعيم سياسي معارض، انخرط في الحوار، وبوفاته فقد هذا الحوار أكبر سند له من المعارضة». وأضاف لطيف «وفاة الترابي ستكون لها تأثيرات كبيرة على الإسلاميين، باعتباره المفكر والأب الروحي للحركة الإسلامية السودانية». إلا أن بوصلة الترابي لم تكن تدل الى اتجاه واحد طوال نحو نصف قرن، هو عمره في الساحة السياسية، كان فيها فاعلاً وصانعاً للحراك السياسي في البلاد. فالرجل عاش تنقلات وانقلابات، يربطها خصومه بشخصيته ذات «الطموح الذي لا يُحد، وبراغماتيته وتعلقه بالسلطة». وربما علينا أن ننتظر انتهاء أيام العزاء لنسمع شهادات في الرجل الذي رأى فيه أنصاره «سياسياً محنكاً بارعاً في تحريك الإعلام وخطيباً مؤثراً وداعية ومفكراً إسلامياً». وأظهر السوادنيون، بمن فيهم خصوم الراحل، مشاعر الحزن منذ إعلان وفاة رئيس حزب «المؤتمر الشعبي»، عصر أمس (السبت)، إثر تعرضه إلى «ذبحة صدرية»، ليفارق الحياة في مستشفى «رويال كير»، ممتنعين عن تقييم واقعي لمسيرة الرجل. ربما يطبق السوادنيون القول المأثور «أذكروا محاسن موتاكم»، ما يجعلهم يكتفون بالترحم على الترابي، الذي رحل عن 84 سنة. وتحالف الترابي الذي دخل المعترك السياسي العام 1964، مع كل من تعاقبوا على الحكم، لينقلب عليهم لاحقاً، منذ الرئيس إبراهيم عبود، مروراً بجعفر النميري، فالصادق المهدي، وصولاً إلى عمر البشير، الذي أوصله الترابي إلى الحكم، لينقلب عليه لاحقاً، ويعتقله غير مرة. إلا أن الترابي، الحاصل على دكتوراه في القانون من جامعة السوربون العام 1964، عرف السجون قبل ذلك، وتحديداً في عهد النميري، إذ اقتيد خمس مرات إلى السجن حين كان ضمن تحالف «الجبهة الوطنية» المعارض، قبل أن يتصالح مع النميري ويتولى وزارة العدل في 1981، قبل تعيينه مستشاراً للرئيس للشؤون الخارجية العام 1983. ولعل العهد الوحيد الذي لم يدخل الترابي خلاله السجن، كان أبان حكم رئيس الوزراء الصادق المهدي، حين تولى منصب نائب رئيس الوزراء في 1988، ووزير الخارجية في الحكومة الائتلافية، قبل أن ينقلب على صهره المهدي في العام التالي، ويدعم الانقلابيين بقيادة البشير. أسس الترابي في العام 1991 حزب «المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي»، واختير أميناً عاماً له. وتسلم حقيبة وزارة الخارجية، وانتُخب العام 1996 رئيساً للبرلمان السوداني، كما اختير أميناً عاماً لحزب «المؤتمر الوطني» الحاكم، في ما سمي «زواج المصلحة» بين الإسلاميين والعسكر والذي دام نحو عشر سنوات. لكنه انقلب على البشير في 1999، وأصبح خصمه اللدود، قبل أن يقبل دعوته إلى طاولة الحوار الوطني التي عقدت في الخرطوم العام 2014، فحضر حزبه «المؤتمر الشعبي»، في حين غابت أحزاب المعارضة السياسية والمسلحة. ويرى البعض في الترابي شخصية «قلقة»، فهو من أوائل السودانيين الذين التحقوا بحركة «الإخوان المسلمين»، وأصبح من زعمائها في السودان العام 1969، ولكنه انفصل عن التنظيم واتخذ موقفاً منه. وشرّع الترابي خلال سنوات التقارب مع البشير، أبواب الخرطوم أمام منظمات وشخصيات مُصنفة على قائمة «الإرهاب» الدولي، من أسامة بن لادن، إلى الفنزويلي كارلوس وغيرهما، قبل أن يتنكر لها. الرجل الذي أفتى بقتال الانفصاليين الجنوبيين، واعتبره «واجباً شرعياً»، لأنه «دفاع عن الأمة»، كان الداعم الأبرز للحركة الانفصالية غرباً، في دارفور. وبعيداً من السياسة، وقريباً من الحال «الانقلابية» التي عاشها الترابي الذي يتقن الإنكليزية والفرنسية والألمانية، فإن البعض يرى فيه «فقيهاً مجدداً»، وإن أصدر فتاوى وآراء اُعتبرت «خارجة عن السياق العام للفتاوى الإسلامية»، سواء في العقيدة، أو نظرية المصلحة، أو استخدام مصطلح القياس الواسع، أو القول بشعبية الاجتهاد. وأصدر الترابي سلسلة فتاوى تتعلق بالمرأة المسلمة. كما اطلق مشروعاً بعنوان «التفسير التوحيدي للقرآن»، طبع منه ثمانية أجزاء فقط، وله كتاب في أصول الفقه، وكتب كثيرة أخرى في مجالات الاصلاح الإسلامي والسياسة.