استكمالاً لمقالي الذي كتبته الأسبوع الماضي بعنوان «ما هكذا تورد الإبل يا وزارة الإسكان»، والذي تحدثت فيه عن مفهوم قيمة التمويل كنسبة إلى قيمة العقار (أو ما يعرف بـLTV)، وقيام عدد كبير من الدول المتقدمة في تطبيق الرهن العقاري بتخفيض هذه النسبة إلى نحو 50 في المئة كنتيجة للأزمة المالية العالمية عام 2009م، التي ضربت في عمق اقتصاداتها، وردتني بعض الانتقادات «المضحكة» التي تطالب برفع النسبة في المملكة لما يزيد على 90 أو 100 في المئة أسوة بما هو مطبق حالياً في دول مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. أقول «مضحكة»؛ لأنه من الواضح أن من ينتقد لا يملك أي دراية أو خبرة بنشاط التمويل العقاري في هذه الدول؛ لأنه لو كان يملك الحد الأدنى من الدراية أو الخبرة لعرف أن نسبة قيمة التمويل إلى قيمة العقار في هذه الدول لا تزال حتى الآن قريبة من نسبة 50 في المئة، بينما الزيادة التي يتحدث عنها هي بسبب تقديم ضمانات أخرى عدا رهن العقار (أكرر تقديم ضمانات أخرى تختلف عن رهن العقار). وحتى أريحه أكثر فجميع البنوك التجارية السعودية اليوم، ومنذ سنوات طويلة، تستطيع تمويل أي عقار بدون دفعة نقدية، وبدون رهن العقار، طالما أن العميل يستطيع تقديم ضمانات وتدفقات نقدية من أصول أخرى بقيمة تفوق قيمة العقار، وهذه من البديهيات التي لا تقبل الجدل. المشكلة أن من ينتقد حتى الآن لا يعرف لماذا يلجأ طالب التمويل العقاري في هذه الدول إلى تقديم ضمانات أخرى في سبيل رفع نسبة التمويل من نحو 50 في المئة إلى ما يزيد على 90 في المئة، التي يعود سببها بشكل رئيسي إلى الأنظمة الضريبية التي يتم فرضها هناك على العقارات المملوكة لأشخاص طبيعيين عند وفاتهم؛ إذ تتراوح الضريبة بين نسبة 30 و40 في المئة من القيمة السوقية للعقار؛ وبالتالي يكون من الأفضل تقديم ضمانات أخرى لرفع نسبة التمويل العقاري إلى نحو 100 في المئة؛ حتى لا يدفع ضريبة. ولا يعرف أيضاً أن بعض الدول الأوروبية قامت مؤخراً بإلغاء العمل بتقديم ضمانات أخرى؛ لأنها اعتبرت هذا الإجراء نوعاً من أنواع التهرب الضريبي. وهناك من يرى أن في دولة الإمارات الشقيقة يتم تطبيق دفعة نقدية للعقار، لا تتعدى نسبتها 10 في المئة. وفي الحقيقة هذا أمر مضحك أيضاً؛ لأنه يتحدث عن البيع بالخارطة، وهذا لا يعني شيئاً؛ لأنه لن يستلم العقار، ولن تنتقل ملكيته إلا بعد أن يدفع ما لا يقل عن 35 أو 40 في المئة من قيمته نقداً في حال الرهن العقاري (أي أن نسبة التمويل هناك لا تزال دون نسبة 60 إلى 65 في المئة تقريباً)، أو دفع ما لا يقل عن 100 في المئة من قيمة العقار نقداً في حال عدم استخدام الرهن العقاري. وحتى أريحه أيضاً يستطيع أي شخص اليوم أن يذهب لأي مكتب عقاري في المملكة، ويدفع عربوناً، لا تزيد نسبته على 10 أو 20 في المئة، لكن لا يسأل عن موعد الإفراغ أو موعد تسليم العقار!! وبالنسبة لتصريح مؤسسة النقد مؤخراً عن برنامج «الرهن الميسر» فلا بد من توضيح أمور مهمة، منها أن نسبة قيمة التمويل إلى قيمة العقار (على الأقل من وجهة نظر مؤسسة النقد والبنوك التجارية في المملكة) لم تتغير حتى الآن عن 70 في المئة المطبَّقة منذ عام 2014م، وأن البيان الرسمي للمؤسسة تحدث عن مفهوم LTV، وهو المفهوم الصحيح الذي يتماشى مع الأعراف الدولية بين كبريات المؤسسات المالية حول العالم عند الحديث عن هذا الأمر. وأخيراً، إن برنامج «الرهن الميسر» هو برنامج مخصص لفئة من المتقدمين مقابل ضمان إضافي من وزارة المالية، فيما لم يتضمن البيان تفاصيل أكثر عن طبيعة هؤلاء المتقدمين وعلاقتهم بوزارة المالية. مقالات أخرى للكاتب ما هكذا تورد الإبل يا وزارة الإسكان! والآن ماذا ستفعل شركة بترورابغ؟ هل كان هبوط أسعار النفط قراراً سياسياً؟ هل تبقى وقت كافٍ؟ هل سنسمع عن إفلاسات جديدة؟