صادقت لجنة التشريع في الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الأولى على اقتراح بإصدار قانون الإقصاء؛ الذي يتيح لنواب في الكنيست بإبعاد نواب آخرين، بأغلبية 90 صوتاً من مجموع الأعضاء البالغ 120. وإقرار هذا المقترح في قراءتين تاليتين، سيجعله نافذاً ضمن القوانين الأساسية في إسرائيل، التي لا تملك دستوراً مكتوباً. تتأتى خطورة هذا القانون من تعليقه لوجود الأعضاء العرب بالمؤسسة التشريعية الإسرائيلية على رضاء الأعضاء اليهود وإرادتهم. وهذه سابقة لوضع الأقلية النيابية تحت رحمة الغالبية على أسس عرقية، لم تحدث سوى بين يدي النظم العنصرية البغيضة، بنموذجيها النازي والفاشستي في ثلاثينيات القرن الماضي وأربعيناته. لو جاء هذا التوجه من جانب جماعات أو أطر، معروفة بتبنيها الفج والمتواقح للقيم العنصرية، من قبيل جماعة أمناء الهيكل أو منظمة كهانا حي أو حركة تدفيع الثمن، لقلنا إنه أحد تجليات الفواحش الأيديولوجية والقانونية والأخلاقية التي تقترفها جماعات تتبجح بعنصريتها ولا تنكرها على صعيدي الفكر والفعل. لكن صاحب المقترح هو رئيس الوزراء الإسرائيلي ومحازبيه من الموصوفين باليمينيين الدينيين والعلمانيين. والمعنى، أن بنيامين نتانياهو، رأس السلطة التنفيذية في إسرائيل، هو الراعي الرسمي الأعلى للممارسات العنصرية الممنهجة؛ التي يراد لها التقنين، ضد الشعب الفلسطيني على جانبي ما يعرف الخط الأخضر. ويبدو أن كراهية هذا الرجل لعموم الفلسطينيين هي من الحجم والكثافة، بحيث راح يتحسب منها حتى بعض المقربين منه أيديولوجياً وسياسياً. نفهم ذلك من الجدل الذي أطلقه القانون المقترح في أوساط لا يمكن التشكيك في صهيونيتها. فالرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين هاجم المشروع واعتبره نموذجاً لإشكالية الممارسة الديمقراطية الضيقة في إسرائيل التي تشكل خطراً على الأقلية وخطراً على المعارضة وخطراً على الأغلبية وهي في النهاية خطر على الدولة. يود بعض الدهاة الصهاينة الإسرائيليين لو أن نتانياهو كان أكثر حنكة في لي عنق الكتلة النيابية العربية وتدجينها. فالمستشارون القانونيون للكنيست أنفسهم، يتوقعون وجود صعوبات أمام إقرار هذا المقترح الذي يسمح لنواب منتخبين بإقصاء زملاء لهم منتخبين أيضاً، الأمر الذي سيؤدي لإيقاع أضرار حقيقية جسيمة بقدرة النواب على العمل، وصولاً إلى احتمال تعطيل النشاط البرلماني... من المنظور القانوني البحت، هناك ثلاثة أسباب تمنع السعي لعضوية الكنيست: نفي وجود إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، والتحريض على العنصرية، وتأييد العمل المسلح ضد إسرائيل من دولة معادية أو منظمة إرهابية. ويرى هؤلاء المستشارون أنه لا مشكلة في استبعاد النواب العرب استناداً إلى السببين الثاني والثالث. لكنهم يعتقدون أن السبب الأول لا يبدو فعّالاً في الإطاحة بهؤلاء النواب. تأسيساً على هذه المداخلات وأمثالها، لنا أن نتخيل تأثير القنبلة التي ألقاها نتانياهو في وجه الاجتماع السياسي الإسرائيلي. وضمن أكثر الآراء عمقاً في قياس هذا التأثير ما ذكره أحد أعضاء حزب البيت اليهودي اليميني حتى النخاع، حين وصف القانون المقترح بأنه سيئ ويعاكس ما تحتاجه الدولة من علاج جذري للتعامل مع العرب. هذا التقدير يلمس وتراً حساساً يتعلق بمستقبل خطوط التواصل بين إسرائيل، الدولة الصهيونية، وبين شريحة سكانها الأصليين من الفلسطينيين. فالقانون المزمع يساهم في تحطيم هذه الخطوط الرقيقة أصلاً، وربما أعاد هذه الشريحة إلى الانكماش والعزوف عن الانغماس في السياق السياسي للدولة؛ الذي ينحدر بوتيرة متسارعة إلى مستنقع الأبارتيد. إن حدث ذلك، وهو ما تنذر به غضبة فلسطيني 1948 ضد القانون، فقد يتعين على الإسرائيليين الإجابة عن تساؤلات عويصة، من قبيل الكيفية التي سيواجهون بها مطلب أقلية كبيرة وراسخة في الإشباع السياسي والحقوقي والثقافي، في ظل ممارسات تبتعد بهم أكثر فأكثر عن دولة كل مواطنيها؟!.