×
محافظة الرياض

القحطاني يباشر عمله رئيسا لبلدية الدلم

صورة الخبر

لسنوات طويلة خلت، كانــــــت الصــورة منحازة الى طرف دون آخر، فهي كانت تقتصر على إظهار صور الزعماء والقادة والمسؤولين... وتهمل صور المقهورين والبسطاء والمهمشين. وهذه الصور كانت مرتبة وفق سياسات فرضتها القنوات المحلية التي كانت تحتكر صورة البلاد والعباد وتختزلها إلى مجرد لوحة مضيئة لا تشوبها أية شائبة، فتظهر «الوطن العزيز» في أبهى الحالات وأنقاها، بينما كان «المعذبون في الأرض» يقاسون الهموم في صمت وغياب بعيداً من الشاشات. بعد انتشار البث الفضائي، وكسر الحواجز والتابوات السياسية والاجتماعية والدينية، بدت الصورة أكثر عدلاً وإنصافاً. ووفقاً لذلك، امتلأت الشاشات بصور المنسيين. صور تنقل المعاناة بكل أبعادها ودلالاتها، من أطفال في مخيم بائس، إلى نازحين خلف الحدود، إلى ضحايا تفجير دموي، إلى فقراء على أطراف المدن وهوامشها... لقد انقلبت صورة الوطن الجميل إلى أنقاض وركام ونزاعات وحروب، ولم يعد التلفزيون الرسمي قادراً على التضليل المنظم والمبرمج بعناية، ذلك أن نداءات الحياة الصاخبة طغت على الزيف والوهم. لم يكن ممكناً أن يسمع أحد بتلك الطفلة البريئة التي تبيع العلكة في شوارع عمان والتي لقبت بـ «موناليزا سورية»، لولا هذا التحول الحاد في طبيعة تناول الصورة. ولم يكن ممكناً كذلك أن نتعقب عشق الحياة لدى مقاتلات من حزب العمال الكردستاني في ذرى الجبال لولا التقرير الذي قدمته «بي بي سي» وتحدثت فيه عن هؤلاء المقاتلات، وكذلك ضد مفاهيم المجتمع البطريركي. والأمر ذاته ينطبق على تقارير عن العشوائيات والأمراض والاوبئة والعواصف، ناهيك بضحايا الحروب في كل مكان. لا يمكن، في هذا السياق، أن ننكر دور السياسة في فلترة الصور وتنقيتها، غير ان هذا التدفق الهائل، جعل من الصعب ضبط ايقاعها، فإن منعت صورة هنا فستظهر هناك، والعكس صحيح، وبهذا المعنى أصبح الهامش متناً والمتن هامشاً. ولكن مع ذلك، فإن الحقيقة المرة تبقى هي ذاتها، بمعنى أن التلفزة ترصد من دون أن تغير، فالرجل الذي فقد منزله، والطفل الذي رمت به الأقدار نحو الجحيم، والمرأة التي عانت من قمع المجتمع، والبائع البائس الذي خسر تجارته... كل هؤلاء سيبقون ضحايا حتى وإن رصدت العدسة مآسيهم. عدالة الصورة تتحقق على الشاشة فحسب، أما على أرض الواقع فلا شيء يتبدل. لكن المؤمل ان يؤثر تراكم الصور في الضمائر، وأن يدفع إلى تغيير السياسات القاتلة، ولعل من أكثر الأشياء التي عاشت في الذاكرة والتي خلفتها محنة المدينتين اليابانيتين ناغازاكي وهيروشيما، هي صورة تلك الطفلة الهاربة من حريق هائل خلفها، بينما علامات الهلع والخوف تغطي ملامح وجهها الآسيوي الوديع الذي يتوسل الخلاص والنجاة... الصورة، إذاً، تدين وحشية العالم، كي تتحقق العدالة على الأرض وفي «الفضاء» معاً!