يصفها بعض المسؤولين العراقيين بـ«الهوة»، خاصة بعد أن تحولت إلى مصدر قلق ملح، تماما كالحرب على تنظيم داعش، ذلك أن الحكومة العراقية تسدد شهريا ما يقرب من 4 مليارات دولار، في صورة رواتب ومعاشات للجيش، وقطاع منتفخ من العاملين بالحكومة. غير أنه بالنظر إلى أن النفط، الذي يعد مصدر أكثر من 90 في المائة من العائدات الحكومية، فقد هوت هذه العائدات إلى النصف تقريبا بسبب تراجع أسعار خام النفط. لذلك تعمل الولايات المتحدة على محاولة ضمان قدرة البلاد على مواصلة الإنفاق العسكري، بينما تسعى الحكومة العراقية للحصول على قروض دولية، وتشرع في تطبيق خطة تقشف. إلا أن بعض المسؤولين والمحللين العراقيين يقولون إن الحكومة ربما تعاني في وقت لاحق هذا العام في سبيل توفير أجور العاملين بالقطاع الحكومي، الذين يصل عددهم إلى 7 ملايين موظف، وهو ما قد يتسبب في إشعال احتجاجات شعبية. ومع انخفاض أسعار النفط إلى ما يقرب من 30 دولارا للبرميل، تجد المنطقة بالكامل نفسها مدفوعة دفعا إلى خفض الأجور، وتقليل الدعم الحكومي وإجراءات أخرى مؤلمة. لكن بالنسبة إلى العراق، فإن هذا الخفض في الإنفاق يأتي في خضم حرب مزعزعة للاستقرار بالفعل، حيث يتعين على البلد سداد فواتير تتعلق بإعادة إعمار المدن التي دمرتها الحرب، وتقديم مساعدات لـ3.3 مليون من العراقيين، الذين نزحوا داخليا على مدار العامين الماضيين، والبقية تأتي. وبينما يخيم شبح الإفلاس على البلاد، يحاول رئيس الوزراء حيدر العبادي التصدي للفساد، وزيادة الدخل الحكومي من خلال إجراءات لا تحظى بشعبية في بعض الأحيان. وفي هذا السياق قال مظهر صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء: «علينا أن نردم الهوة. فالمسألة أصبحت خطيرة فعلا الآن.. والتدفق النقدي محدود جدا، وبقرة النقد القديمة لا تدر أي لبن». وفي الأسابيع الأخيرة حشد رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر عشرات الآلاف في احتجاجات تطالب بالإصلاح، وهو ما وضع ضغوطا على العبادي. وتشبه هذه الاحتجاجات المظاهرات التي اندلعت خلال الصيف، عندما نزل آلاف العراقيين إلى الشوارع احتجاجا على فساد الحكومة، ونقص الكهرباء وغيرها من الخدمات. لكنهم سيكونون مطالبين هذا العام بدفع المزيد من الأموال نظير هذه الخدمات، في حين جرى تخفيض المرتبات الحكومية بواقع 3 في المائة. وقال الصدر للمتظاهرين «الآن تطالب الحكومة الفاسدة الشعب بالتقشف، وبسبب هذه الحكومة ليس معروفا مصير المليارات»، مضيفا أن المظاهرات هي «محاولة لإنقاذ العراق من اللصوص». ويواجه العراقيون مزيدا من التكاليف الاسمية يوميا. وقد أدخلت المستشفيات التي كانت على مدار وقت طويل تعالج العراقيين بالمجان، رسوما اسمية، حتى على أولئك الذين يزورون أقاربهم المرضى. وهنالك خطط لزيادة رسوم الكهرباء. كما تظاهر التجار في مدينة البصرة الجنوبية، احتجاجا على زيادة الرسوم الجمركية. لكن العبادي يقول إن على الحكومة أن توفر الأموال أينما وجدت إلى ذلك سبيلا، خاصة بعد أن توقع العراق عجزا في الموازنة بنحو 25 مليون دولار هذا العام، لكن هذا كان مستندا إلى وصول أسعار النفط إلى 45 دولارا للبرميل. ولذلك يقول صالح إن العجز قد يكون ضعف هذا الرقم. وللتعامل مع هذا العجز على المدى القصير، يستعين العراق باحتياطياته من النقد الأجنبي، قائلا إنه يتوقع أن ينخفض الاحتياطي إلى نحو 43 مليار دولار هذا العام، مقارنة بـ59 مليار دولار في أكتوبر (تشرين الأول). وبينما أبدى العبادي ثقته بقدرة الحكومة على تجاوز الأزمة، فإن البعض يعبرون عن نظرة أكثر تشاؤما. فيما قال مسؤول غربي طلب عدم ذكر اسمه إن العراقيين «يستنزفون احتياطياتهم بأسرع من المتوقع الآن، وهو ما قد يؤدي إلى مرحلة يكون من الصعوبة بمكان عندها مواصلة الاستيراد، وإدارة اقتصاد حديث». ويسعى العراق للحصول على المزيد من الأموال من صندوق النقد الدولي، بعدما تلقى قرضا عاجلا بقيمة 1.24 مليار دولار العام الماضي، فيما تعرض الولايات المتحدة تقديم قرض بقيمة 2.7 مليار دولار للإنفاق العسكري، في حين أقرضت ألمانيا العراق ما يزيد قليلا على 500 ألف دولار لإعادة الإعمار.كما تسعى الحكومة العراقية إلى إصدار سندات وأذون خزانة. لكن عملية لإصدار السندات العام الماضي توقفت بسبب العائد المرتفع الذي طلبه المستثمرون. وهذا في الوقت الذي يشكو فيه العراقيون من أن قادتهم يسرقون من البلاد من دون أي مساءلة.