تبهجنا أي خطوة باتجاه تطوير الخدمات وانعتاقها من أسر البيروقراطية وتضييع الوقت وتوتر الأعصاب في سبيل إنجازها. الحكومة الإلكترونية مصطلح يردده الكثير من المسؤولين ويبشرونا بأننا بدأنا نخطو حثيثا من أجل تحويله إلى واقع في كل المجالات، لكن المعضلة الكبرى أن مفهوم هذا المصطلح لدى بعضهم قاصر ومبتسر عندما يتوقف عند الأجهزة الإلكترونية ويغفل العقل والتفكير الذي يديرها، مسكينة هذه الأجهزة نظن أن استيرادها ونصبها كالتماثيل هو نهاية القصة، بينما كل القصة داخل جماجمنا التي مازالت تعيش في الماضي. وقد مررت فعليا بتجربة قاسية قبل يومين عندما احتجت إلى إنهاء أمر عاجل بشرني أحد المسؤولين أن بالإمكان إنجازه في دقيقة من خلال أجهزة «أبشر» الموجودة في كل المجمعات التجارية، ولا داعي للقلق. يا سلام، أي نعمة جليلة هذه التي نعيشها وأي تسهيلات ننعم بها. ولأنني أصدق الكلام بسرعة وأنسى في كثير من الأوقات وضع الاحتمالات العكسية في الحسبان فقد ذهبت بكل هدوء وثقة واطمئنان كي أصافح جهاز أبشر للمرة الأولى لأني لم أتشرف بقراءة حملة تعريفية بمقامه الكريم والخدمات التي يقدمها. وهنا بدأت حكاية ألف ليلة وليلة. الجهاز الأول في أقرب مول معطل منذ ثلاثة أيام بحسب إفادة حارس الأمن الذي شرح لي غضب الناس من عدم إصلاحه. الموقع الأقرب بحسب إرشادات رجل الأمن كان جهاز المطار، وصلنا المطار وإذا بالجهاز (معلّق) منذ ساعات. حسنا، فلنذهب إلى مكان آخر، وإذا به في أحد المولات البعيدة، لا مشكلة، وصلنا وإذا بالجهاز دائخ وذاكرته «تبرم على الفاضي». وبعد جولة تفتيشية على معظم مولات جدة استغرقت ساعات في زحام شديد تحت المطر عثرنا على جهاز يتمتع بقدر معقول من الصحة الذهنية، صبرنا عليه بعض الوقت وعدنا لنعاني من خدمة الإنترنت المتعثرة لكي ندخل على موقع وزارة الداخلية. يقول صديقي الدكتور محمد حبيبي في تغريدة متفاعلة مع تغريدتي الشارحة لمعاناتي تلك الليلة: ما دمت تحتاج لأن تنتقل من بيتك إلى مكان آخر لاستخدام جهاز فهذا لا يمت للحكومة الإلكترونية بأي صلة. واستنادا إلى تعليقه المنطقي يكون سؤالي للمسؤولين عن هذه الخدمة لماذا لا يتم تنفيذها ضمن إطار موقع البوابة الإلكترونية للوزارة ؟ ولماذا تجزئة الخدمة رغم أن التقنية جعلت المستحيل ممكنا؟. وأما عطل معظم الأجهزة لأيام دون صيانة ووضع الناس في معاناة طويلة فإنه أمر يضع ألف علامة استفهام على مستقبل حكومتنا الإلكترونية.