×
محافظة المدينة المنورة

حرصي على سلامة 315 راكبا وراء نجاحي في ثالث محاولة للهبوط الاضطراري

صورة الخبر

بقلم : عبدالرحمن التويجري إن مشروع خادم الحرمين الشريفين للابتعاث يعدّ من أسمى أعماله الجليلة؛ فهو يهدف إلى المساهمة في بناء قوة بشرية منتجة من أبناء وبنات هذا الوطن. لقد وهب هذا المشروع لمن حالفه التوفيق بالحصول على بعثة، الأمل في أن يعود مكتسباً المعارف اللازمة للمشاركة في بناء الوطن والحياة فيه إنساناً منتجاً معتمداً على نفسه، عائداً من بعثته بقيم تنادي بالثقة في النفس والالتزام بالوقت واحترام العمل، وهي قيم تعلمها أثناء بعثته، فساعدته على تحقيق الهدف الذي ابتعث من أجله، وأن يعود معتزاً بشهادته رافعاً رأسه بين أهله وفي مجتمعه. تجاوز عدد المبتعثين لمختلف دول العالم 160 ألف مبتعث ومبتعثة، يدرسون في جامعات دول متقدمة، كثير منها معروفة بتفوق خريجيها العلمي، وجميعهم –طال الزمن أم قصر- سيعودون إلى الوطن، فماذا أعددنا لهم؟ مدينة بوسطن الأمريكية واحدة من أهم معاقل العلم في العالم، فيها ما لا يقل عن 58 جامعة وكلية، ويُعدّ بعضها الجامعات الأولى أكاديمياً على المستوى العالمي، وفيها عدد كبير من أبناء وبنات الوطن المبتعثين لهذه الجامعات. هم وغيرهم من المبتعثين الجادين مصدر فخر واعتزاز وطنهم وأهلهم. ومدينة بوسطن الممتدة على ضفاف نهر (تشالرز) بالقرب من الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية ليست إلا مثالاً ضمن مدن عديدة في العالم استقبلت مبتعثينا ووفرت للجادين منهم تعليماً متقدماً وظروفاً تمكنهم من تطوير أنفسهم، واستغلال طاقاتهم الشابة ليكونوا بعد عودتهم ثروة بشرية منتجة لخير أنفسهم وأهلهم ووطنهم. هناك، في بوسطن، كان حظي جيداً أن ألتقي مجموعة منهم وأن أستمع لهم وأتحدث إليهم. تطرق النقاش إلى أمور كثيرة تتعلق بحياتهم وبعثتهم وجامعاتهم، ولكن السؤال الذي ما فتئ يتكرر على شفاههم مصحوباً بقلق واضح هو: ماذا بعد أن نعود؟ وتتوالى الأسئلة بعد ذلك: هل نستطيع تحقيق أحلامنا وتلبية طموحاتنا؟ هل سنجد الوظائف المناسبة بدخل يكفي لنعيش بكرامة ويمكّن الواحد منا من بناء أسرة وتملّك منزل؟ إنها أمثلة لأسئلة طموحة مثل أحلامهم. إنهم يسألون أيضاً: هل المجتمع الذي سنعود إليه كما تركناه حيث الوضع الاجتماعي يختلف عمَّا تعودناه هنا؟ إننا رأينا كيف يعيش الناس في مدينة تحتضن القادم إليها وتجعله يشعر بإنسانيته، ونحن -مع اهتمامنا بدراستنا- نستطيع أن نرتاد المكتبات والمتاحف والأسواق ودور السينما ونحضر المناسبات الثقافية والرياضية، ولدينا الفرصة لممارسة هواياتنا وصقل تجاربنا، وأن نحيا حياة ممتعة وشائقة وثرية. وقالوا: إننا في نهاية الأسبوع نمارس من النشاطات ما نحبّ، ونقضي وقتنا في الحدائق ونمشي ونركض في الشوارع ونرتاد المرافق العامة لا نخشى الملاحقة أو الاستهزاء أو المضايقة من سائق سيارة أرعن. وقال أحدهم إنه سيعود وتتحق بعض أحلامه، ولكنه كشاب يعرف أنه في وطنه لن يخرج من منزله إلا لمطعم أو مقهى أو استراحة. إن ما عبَّروا عنه يعكس قلقهم عند التفكير في العودة، ولكن ما يهوِّن عليهم هو معرفتهم حق المعرفة أنهم سيعودون لأهلهم وذويهم والحياة الآمنة المطمئنّة بين ظهرانيهم، ويدركون أيضاً أن بلادهم تتمتع بتكاليف معيشة منخفضة مقارنة بالبلاد التي يعيشون فيها الآن. وحتى لا يشعروا بالإحباط فإن من الضروري الالتفات إليهم وإعطاء هذه الشريحة من شبابنا وشاباتنا القدر الكافي من الاهتمام والإصغاء لما يقولون ودراسة آرائهم ومتطلباتهم بجدية، وإعداد البرامج التي تجعل هذه الثروة الحقيقية التي استُثمر فيها كثير منتجة حقاً فخورة بعملها، فمن المحزن أن نخسر ولو واحداً منهم ونقتل طموحه بعدم تهيئة الفرصة المناسبة له، ولن يتحقق ذلك إلا بتوفير الوظائف الكافية المناسبة. وهنا يثار التساؤل: هل النمو الاقتصادي في صورته الحالية، المعتمد على الإنفاق الحكومي القائم بدوره على إيرادات النفط، هو الأسلوب التنموي الأمثل لتوفير الوظائف؟ الواضح أنه لن يتحقق ذلك إلا أن يرتبط باستراتيجية محددة هدفها الأساس بناء اقتصاد متنوع يستوعب الداخلين إلى سوق العمل، بالإضافة إلى أهمية تهيئة البيئة المناسبة اجتماعياً وثقافياً بما يتيح لهم تطبيق ما تعلموه من التزام وانضباط في العمل، ويفتح لهم آفاقاً جديدة للإبداع. إن الاهتمام بالمبتعثين والعناية بمتطلباتهم عند عودتهم لا يعني بأيّ حال من الأحوال أنهم أولى بذلك من شبابنا خريجي جامعاتنا داخل الوطن، إنهم جميعاً يستحقون أن تتوافر لهم فرص العمل ومقومات الحياة الإنسانية الكريمة، ولكن الفرق أن المبتعثين سيعودون بعد صدمة الدهشة والانفتاح أكثر قدرة على تجاوز المعتاد وطرح الأسئلة، فهل نُصغي لهم ونعينهم؟ أتمنى ذلك.   نقلا عن الشرق