رغم أن مباراة كرة القدم يخوضها 11 أو 14 لاعبا من كل فريق، هم الذين ينزلون إلى الملعب، فإنها في الحقيقة تعتبر مبارزة ثنائية بين فكرين خططيين، وبين ذاكرتين كرويتين، يحاول كل منهما التغلب على الآخر وإثبات جدارته وتفوقه. وينطبق هذا بصورة كبيرة على مباراة اليوفي وروما المهمة التي تقام مساء غد الأحد في تورينو مع استئناف الدوري الإيطالي عقب عطلة عيد الميلاد. إن هذه المباراة في الأصل منافسة ثنائية قوية بين مدربين قام كلاهما بتغيير أداء فريقه بصورة كبيرة. فقد ورث غارسيا فريقا منهكا وضعيفا وفاشلا وبعيدا عن البطولات الأوروبية ويعاني أيضا من سخط جماهيره على أدائه ونتائجه. فلم ينجح زيمان في إعادة أمجاد الماضي مع روما (رغم أنه في الأصل لم يفز بأي لقب دوري)، بل والأدهى أنه حول دي روسي وبيانيتش إلى رفيقين دائمين لمقعد البدلاء. وقد نجح الفرنسي رودي غارسيا في قلب فريق روما رأسا على عقب ومنحه إيقاعا جديدا وأصلح دفاعه المترنح عن طريق بن عطية ومايكون ودي سانكتيس. وأضفى المدرب الفرنسي قوة وقيمة كبيرة لخط الوسط عن طريق ستروتمان، كما نجح في تحويل جناحي روما من دبابات ثقيلة متهالكة إلى سهمين منطلقين يبحثان عن النجم توتي من خلال الدفع بجيرفينهو وليايتش على الجانبين. وينطبق الأمر نفسه على أنطونيو كونتي الذي تسلم اليوفي فريقا كسيرا يلعق جراحه ويقبع في المركز السابع ويعجز عن اللعب والتفكير كفريق كبير. وكان اليوفي عبارة عن 11 لاعبا محطمين نفسيا دون دوافع أو طموحات. لكن اليوفي أصبح على يدي مدربه البارع فريقا قويا وسريعا يستطيع ملء كل أرجاء الملعب، وقادرا على المنافسة وتحقيق البطولات. فقد كسا كونتي فريقه بثوب جديد، كان في البداية هو ثوب طريقة 3-3-4 التي تحولت بعد ذلك إلى طريقة 2-5-3 القوية والتي أجاد الفريق تطبيقها بفضل تألق بوغبا وتمرييات بيرلو الدقيقة وتوغلات فيدال وقدرته على استعادة الكرة في كافة جنبات الملعب. وأسهم المهاجمون أيضا في عودة اليوفي إلى تألقه وعلى رأسهم فوتسينيتش وكوالياريلا وماتري وجوفينكو، قبل أن ينضم إليهم هذا الموسم كل من المقاتل تيفيز والإسباني يورنتي. وتمكن اليوفي من الفوز بلقب الدوري الإيطالي موسمين متتاليين بعد غياب طويل عن الألقاب. وليس من قبيل المصادفة أن غارسيا وكونتي كانا يلعبان في خط الوسط، حيث يبذل اللاعبون عادة مجهودا كبيرا ويساعدون زملاءهم ويبدأون الهجمات. لكن هناك فارقا جوهريا بين مسيرة الفرنسي غارسيا وكونتي كلاعبين. فقد كانت مسيرة مدرب روما قصيرة ومتواضعة بينما حظي كونتي كلاعب بمسيرة مظفرة ومليئة بالأمجاد مع اليوفي. والآن يجد هذان المدربان البارعان نفسيهما وجها لوجه يتنافسان على قمة الدوري الإيطالي رغم أن كفة كونتي هي الأرجح حتى الآن بـ5 نقاط تفصله عن وصيفه. لكن الأهم هو هذه المواجهة التي تتم بين الفريقين الأفضل في الأداء هذا الموسم. فروما ما زال يحتفظ برصيده خاليا من الهزائم هذا الموسم كما أنه صاحب أفضل دفاع؛ بينما حقق اليوفي 15 فوزا في 17 مباراة، وتعرض لتعادل واحد وهزيمة واحدة ويفخر بأنه صاحب أفضل هجوم في الدوري. إنها مباراة لا تقبل التوقعات، لكن الشيء المؤكد هو أن مَن يتابعها لن يشعر بالملل، لأن أيا من المدربين لا يتمتع بعقلية دفاعية بحتة. فكلاهما يرغب في تحقيق الفوز تلو الفوز تلو الفوز. ولن تحمل هذه المباراة – مهما كانت نتيجتها – مؤشرا نهائيا على مصير لقب الدوري الإيطالي هذا الموسم رغم أن فوز اليوفي من شأنه أن يضعه على قمة الجدول بفارق 8 نقاط كاملة عن أقرب منافسيه روما. غارسيا أم كونتي، كونتي أم غارسيا؟!.. يصعب القول حقا مَن سيكون صاحب الكلمة العليا والسيادة في هذه المباراة الكبيرة رغم أن اليوفي يتمتع بمزية اللعب على أرضه ووسط جماهيره المتحمسة. وسيحمل المدربان على عاتقيهما مسؤولية إقناع جماهير الكرة في العالم أجمع بأن الفرق الإيطالية الكبرى لا تقل بأي حال من الأحوال عن نظيراتها في الدوري الإنجليزي والألماني والإسباني والفرنسي. ونتمنى للجميع الاستمتاع بهذا اللقاء.