الرباط - لندن: «الشرق الأوسط» رغم التشابه الكبير بين المدن المغربية من حيث الطراز المعماري بالأسوار المطوقة والأبواب الخشبية السميكة، والمساجد والقصور الشامخة، فإن لكل منها سحرها الخاص بها وجماليتها المعمارية الفريدة. ويجري في جنوب المغرب حاليا ترميم عدد من القصبات الأثرية بهدف إنقاذها من الانهيار وتعزيز الاقتصاد المحلي من خلال خلق فرص للعمل وتنشيط السياحة. أهملت «القلاع الأثرية» التي يطلق عليها في المغرب وشمال أفريقيا اسم «القصبات» سنوات طويلة، ويكاد بعضها ينهار بفعل العوامل الطبيعية. لكن عملية ترميم تجري في الوقت الراهن لعدد من القلاع في جنوب المغرب لتحويلها إلى دور للضيافة وفنادق. وتتعاون الحكومة المغربية مع «الشركة المغربية لتثمين القصبات» وشركات أخرى في ترميم القصبات القديمة بإقليم ورزازات في جنوب المملكة. وكان ملاك القصبات في سكورة وزاكورة والرشيدية قد وقعوا اتفاقا مع الشرطة المغربية لتثمين القصبات لبدء العمل لتحويل المباني التاريخية إلى فنادق فاخرة. وذكر وزير السياحة المغربي الحسن حداد أن الحكومة خصصت استثمارات ضخمة لترميم القلاع التاريخية. وقال الوزير في تقرير لـ«رويترز»: «وصلت قيمة هذا الاستثمار إلى 128 مليون درهم تقريبا، وهذا من شأنه الحفاظ على التراث الثقافي، والحفاظ كذلك على الهوية الثقافية والمساهمة في إعادة كتابة تاريخ جنوب شرقي المغرب. كما من شأنه كذلك خلق ديناميكية اقتصادية سواء عبر التشغيل أو عبر المقاولات الصغرى المحيطة بمشارف هذه المنطقة». وتساهم الشركة المغربية للهندسة السياحية بالاستثمار في مشروع ترميم القصبات الأثرية. وذكر عماد برقاد رئيس الإدارة الجماعية للشركة أن مشروع الترميم سوف يخلق 500 فرصة عمل جديدة. وقال: «بلغة الأرقام يمكن أن أقول إن هذا المشروع هو 430 مليون درهم و300 غرفة وهو أيضا عدد كبير.. أي ما بين 500 و600 يد عاملة ستشتغل بطريقة مستمرة». ويرى عبد الصادق علام مدير الشركة المغربية لتثمين القصبات أن مشروع الترميم يساهم بصورة أساسية في الحفاظ على جزء مهم من التراث المغربي. وقال علام: «أهمية الموضوع هو أن ترميم القصبات سيجعلها توفر إمكانات لاستدامتها، بحيث يمكن الحديث عن مفهوم جديد وهو الترميم المستدام. ليس هذا فقط؛ بل إنها ستوفر مصدر رزق لمالكها ولساكنها وفق مقاربة للتنمية المستدامة تستحضر ليس فقط التراث المادي الذي تمثله القصبات؛ بل كذلك التراث اللامادي من خلال مجموعة من الأنشطة والعادات والتقاليد التي سيتم توظيفها». وكانت القصبات تبنى فوق مرتفعات لحماية تجمعات سكانية ولتتحكم في مداخل الطرق الجبلية لتأمين القوافل التجارية. وبنى الأمازيغ في جنوب المغرب قديما نوعا فريدا من المباني يسمى «القصبة» أو «القلعة» كان يعيش فيها زعيم المنطقة. ويقع قصر «آيت بن حدو» جنوب المغرب، على بعد 30 كيلومترا شمال مدينة ورزازات ويعتبر من أهم «القصور التاريخية» في المغرب. القصر عبارة عن تجمع بنايات تقليدية شيدت من الطين ومحاطة بسور به بعض الأبراج. يعتبر هذا القصر، بهندسته المتميزة، نموذجا للسكن التقليدي بالجنوب المغربي وتتميز مكوناته المعمارية بقيم جمالية، مما أدى إلى وضعه من قبل منظمة اليونيسكو عام 1987 على لائحة التراث العالمي. يستقبل القصر 130 ألف سائح سنويا، وكان الدخول إليه والخروج منه يتم عبر بوابتين فقط وذلك بقصد مراقبة التحركات داخله، وتتم مراقبة النمو العمراني وتحديد علو البنايات الجديدة في محيط القصر، من أجل ضمان تجانس وتوافق النمط المعماري وحماية المنظر العام حول القصر، وأتاح ذلك الحفاظ على المنظر العام للقصر الذي يمكن مشاهدته على بعد عدة كيلومترات. وساهمت الأنشطة السينمائية في التعريف بالقصر على المستوى العالمي حيث كان منذ الستينات مسرحا لتصوير مجموعة من الأفلام منها «لورانس العرب»، و«مملكة الفردوس»، و«جوهرة النيل»، و«المصارعون». وكانت القصبة تبنى في العادة على قمة صخرية أو حافة جرف، وكان دورها حماية الواحة ومراقبة الطرق المؤدية إليها، وحراسة القوافل المارة من قطاع الطرق. لكن الحروب وعوامل الطبيعة أثرت على القصبات المبنية في الصحراء فتحول بعضها إلى أطلال مهجورة وأنقاض. أنشئ مركز صيانة وتوظيف التراث المعماري بمناطق الأطلس والجنوب في المغرب عام 1989 بمساندة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو). وفي عام 2011 بدأ المركز مشروعا لترميم القصبات القديمة بمشاركة الدولة والأجهزة المحلية. وخصص مبلغ 47 مليون دولار للشركة المغربية لتثمين القصبات لترميم تلك المباني الفريدة في ورزازات ودادس ودرعة جنوبي جبال الأطلس. وضم العديد من القصبات القديمة في المغرب إلى قائمة اليونيسكو لمواقع التراث الإنساني العالمي. وتحول بعضها إلى فنادق ويستخدم بعضها الآخر مواقع لتصوير الأفلام السينمائية. ويأمل المغرب أن يساهم مشروع ترميم القصبات في اجتذاب المزيد من الزوار الأجانب الذين يفضلون أسلوب الحياة التقليدي البسيط على سياحة المدن الكبرى.