×
محافظة المدينة المنورة

إصابة ٤ أشخاص إثر انهيار مبنى في المدينة المنورة

صورة الخبر

«الربيع العربي انتهى، الربيع العربي فشل». هذه كانت نغمة الإجماع التي طفت على السطح حيال الثورات الشعبية، التي انطلقت شرارتها من تونس في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2011، وسرعان ما اكتسحت أرجاء الشرق الأوسط كافة. لكن هذه الحصيلة ليست سابقة لأوانها وحسب، بل يُحتمل أيضاً أن تُحيي مجدداً أنموذج «الأمن أوّلاً»، الذي كانت تتّبعه الأنظمة السلطوية العربية وداعموها الغربيون لعقودٍ طويلة خلت. الآن، وبعد سنوات خمس من الربيع العربي، باتت سورية مسرحاً لكارثةٍ إنسانية ذات أبعاد ملحمية هائلة، يُرجّح أن يواصل شبحها ملاحقة المنطقة والعالم لسنوات عدّة. وفي الوقت نفسه، تُهدد الصراعات المحتدمة في اليمن وليبيا والعراق بتمزيق هذه البلدان إرباً. لكن، في المقبِل من الأيام، لن تستطيع الحكومات العربية البقاء في منأى عن التوجّه العالمي نحو تمكين الأفراد عبر التقدّم التكنولوجي، وارتفاع معدّلات التحصيل العلمي، ونمو الطبقة الوسطى. فأزمة الشرعية، التي كانت المحرّك الرئيس لثورات الربيع العربي منذ نصف عقد، لم تفقد لا أهميتها ولا إلحاحها. وهذه، على أي حال، كانت الرسالة المركزية التي انبثقت من دراسة استقصائية للخبراء العرب أجرتها مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي (وكانت الأولى من نوعها)، وتضمّنت آراء مستفيضة لأكثر من مئة خبير من البلدان العربية كافة تقريباً. إن السلطة المركزية في كل أنحاء المنطقة تتآكل. فقد انهارت المساومات السلطوية التي جرت في العقود المنصرمة، حين كانت الأنظمة تقايض الوظائف الحكومية والأمن المادّي بالإذعان السياسي. وأظهرت الدراسة أن كل الخبراء تقريباً يشعرون باستياء شديد من كيفية استجابة حكوماتهم للتحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الجمّة التي تواجهها بلدانهم. ثم إن مسبّبات السخط العديدة في العالم العربي، من السلطوية والتسلُّط العسكري، مروراً بالفساد والمحسوبية، وصولاً إلى التدخّل الخارجي، تشي بالغياب الكامن لعقودٍ اجتماعية ذات شأن بين معظم دول الشرق الأوسط ومواطنيها، ناهيك عن غياب الفهم المشترك للمكوّنات الضرورية لإحياء هذه العقود. الشرق الأوسط يواجه تحديات استراتيجية لا سابق لها البتة: من دولٍ فاشلة في المنطقة وتمدّد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إلى صعود الطائفية والتنافسات الجيوسياسية. بطبيعة الحال، تستقطب هذه الأزمات الأمنية الحادّة جُل اهتمام العواصم الغربية والعربية على حدٍّ سواء. لكن، حتى في خضمّ القلاقل والاضطرابات الراهنة، تُظهر الدراسة أن أصداء أزمة الحوكمة في كل المنطقة لا تزال تتردد بقوة كما كانت دوماً. فمع أن الإرهاب والاضطراب الإقليميين يتصدّران العناوين الرئيسة، إلا أن معظم سكان العالم العربي يعتبرون أن قضايا السلطوية والفساد وانعدام المساءلة والمحاسبة، أقرب بكثير إلى واقعهم اليومي. وفي الدول الأكثر هشاشةً في المنطقة، حيث تتحوّل الصراعات الداخلية إلى حروب بالوكالة، باتت تحديات الحوكمة المحلية تتداخل في شكل مطرد مع التحديات الجيوسياسية. لقد أظهرت استطلاعات آراء المواطنين العرب على الدوام، أنهم يحبذون بغالبيتهم الساحقة الديموقراطية التمثيلية. ومع ذلك، تتحدى هذه الدراسة وجهة النظر القائلة إن الحكم الديموقراطي هو غاية في حدّ ذاته. فقد أشار أحد المشاركين السوريين إلى أن «الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي أتقنت فن التلاعب بـ «الإجراءات» الديموقراطية لاكتساب الشرعية». ولتجنّب الوقوع في فخ مناصبة الليبرالية العداء، يتعيّن على الحكم الديموقراطي أن يستند إلى المساءلة والمحاسبة، والشفافية، وتوفير الخدمات العامة. في لجج الاضطرابات التي تشهدها المنطقة، تتنازع العرب توجهات متباينة حول الدور الذي ينبغي أن يؤدّيه العالم الخارجي. فبينما يريد بعضهم ببساطة أن تنأى الولايات المتحدة بنفسها، يتحسّر آخرون على تراجع الدور الأميركي. ولخّص أحد المشاركين المصريين هذه التناقضات بإتقان، حين جادل أنه: «ينبغي على الولايات المتحدة إما أن تصبح شريكاً حقيقياً لمساعدة المنطقة على التطوّر، أو أن تدع المنطقة تعثر على طريقها بنفسها». لقد بات واضحاً في شكل متزايد، أن الاستقرار في الشرق الأوسط سيبقى عصيّاً وصعب المنال، طالما لم يتم التصدّي لجذور عوامل اللااستقرار (بما في ذلك السلطوية، الفساد، وغياب التعددية السياسية). إذ لا يمكن فرض الإصلاح السياسي من خارج، سواء في الشرق الأوسط أو في أي منطقة أخرى. يجب، عوض ذلك، بثّ الروح في جهود ترقية الحوكمة الأفضل، وإرساؤها على أجندة إيجابية تستند إلى آمال المجتمعات العربية وتطلعاتها. والحال أنه ليس مستغرباً، في ضوء غياب مثل هذه الأجندة، أن تصبح السياسة الغربية إزاء الشرق الأوسط مقتصرة على ردّات الفعل، وقصر النظر، وعدم الفاعلية في خاتمة المطاف. إن صانعي السياسة الغربيين يواجهون أحجية صعبة في التعاطي مع الاضطرابات في الشرق الأوسط. فليس في وسعهم النأي بالنفس عن التحديات الأمنية المطّردة التي يفرضها تداعي هياكل الدولة، وصعود «داعش»، وبقية ركب الجماعات المتطرفة، بل عليهم الانخراط بعمقٍ أكثر في الحرب الأهلية السورية الكارثية، التي تهدّد الاستقرار ليس في المشرق وحسب، بل أيضاً في النظام العالمي ككل. لكن، يتعيّن على صانعي القرار هؤلاء عدم إغفال الصورة الأكبر: فبعد أكثر من خمس سنوات من إشعال فتيل الثورة في بلدة تونسية داخلية صغيرة، لا تزال القصة المضطربة والدراماتيكية لليقظة العربية أبعد ما تكون من الوصول إلى خواتيمها. وإذا ما تجاهل صانعو القرار العرب والغربيون، على حدٍّ سواء، أزمة الشرعية هذه، سيدفعون الثمن.     * مروان المعشّر، نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي - بيري كاماك، باحثٌ في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي