مع نشر هذا المقال، تجتمع الهيئة العامة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في استانبول فيما يمكن أن يُعتبر واحداً من أهم اجتماعات الائتلاف منذ تأسيسه. لاتنبع أهمية الاجتماع فقط من طبيعة القضايا الحساسة التي سيبحثها، وإنما من زاوية تأثيرها في مصير الثورة السورية ومستقبل سوريا. فرغم كل مايمكن أن يُقال عن الائتلاف وسلبياته، وهو كثير. ورغم الاتهامات الموجهة له بعدم قدرته على أداء دوره في تمثيل الثورة سياسياً، وهذا صحيح، يبقى الائتلاف حتى الآن الجهة السياسية الرسمية التي اعترفت بها دول العالم بشكلٍ أو بآخر. صحيحٌ أن هذا الاعتراف لم يُنتج عملياً دعماً حقيقياً للسوريين وثورتهم يُنصفهم إنسانياً على الأقل، فضلاً عن أن يساعدهم في تحقيق أهداف الثورة. وصحيحٌ أن (اعتراف) دولٍ كروسيا وإيران جاء تدريجياً كنوعٍ من الاعتراف بأمرٍ واقع، وإن بغرض احتوائه ومحاولة توظيفه عبر المناورات السياسية لمنع الثورة من تحقيق أهدافها. لكن الائتلاف بقي حتى الآن جهةً رئيسةً تحمل كموناً يجب العمل لتفعيله وصولاً إلى أداء دوره المطلوب. وهو أمرٌ لاتبدو مقدماتهُ ظاهرةً للمحلل الذي يتابع الأمور عن قرب إذا بقي الحال على ماهو عليه. لهذا تحديداً نستعمل كلمات مثل (حتى الآن) و (جهةً رئيسة) بدلاً من (الجهة الرئيسة). فمع اقتراب الموعد المُفترض لمؤتمر جنيف2، ومع المُعطيات المتجددة على الأرض السورية بشكل عام وفي المناطق المحررة تحديداً، لاتوجد ثمة إشارات بأن الائتلاف قادرٌ على أن يُحدث نقلةً في المسار السياسي الذي يتصدى للعمل فيه. وهي نقلةٌ باتت مطلوبةً بكل المقاييس. لايكفي في هذا الإطار بعض التطور الذي حصل في حقل العلاقات الخارجية، لأنه تطورٌ لايزال محصوراً في حفنةٍ من التصريحات الإيجابية التي تصدر من هنا وهناك، وتقف مسألة الدعم عندها دون أن تتجاوزها إلى الفعل. وهو لايتناسبُ بالتأكيد مع حجم التوقعات في درجة الدعم الذي سيتلقاه الثوار يوم وصلت قيادة الائتلاف الحالية إلى موقعها الراهن في الانتخابات الماضية. وحتى في موضوع الحكومة المؤقتة الذي يُفترض فيه أن يكون مجال اهتمامٍ كبير ومتابعةٍ حثيثة من قبل الائتلاف، لاتزال الحكومة تبحث لنفسها عن دور بعد قرابة شهرين من تشكيلها والمصادقة عليها. فهي لم تضع حتى الآن خطةً واضحةً للعمل، كما أن مجرد الاقتراب من الأرض السورية يبدو أمراً صعباً عليها، وهو مايجعل مصيرها بأسره معلقاً في الهواء. والمؤكد أن هذه الحقيقة الأخيرة تعطي مؤشراً على نقطة ضعفٍ رئيسةٍ في أداء الائتلاف، تتمثل في ضعف تواصله مع الداخل السوري بشكلٍ عام، ومع القوى العسكرية الرئيسة على وجه التحديد. ورغم أن تلك القوى مُطالبةٌ بأن تتعامل مع الجهة التي يُفترض أن تكون الذراع السياسية للثورة، وتفتح معها حواراً جدياً وصريحاً ومباشراً على جميع المستويات وفي كل المجالات، إلا أن الائتلاف نفسهُ مُطالبٌ بأن يكون أكثر واقعيةً في إظهار قدرته وأهليته الفعلية على (تمثيل) الداخل الثوري. يَصدق هذا على مستوى الرؤية والخلفية الثقافية، إذ لايُعقل أن يتم تهميش الهوية الإسلامية للثورة في المسار السياسي والالتفاف عليها من خلال إظهار رموز لبعض القوى التي لاتملك رصيداً فعلياً على الأرض. كما يَصدق في مجال التمثيل الفعلي لتلك القوى، إن على مستوى الاعتراف بدورها الرئيس والمتزايد في الداخل السوري، أو حتى في تأمين وجود دورٍ لها في صناعة القرار داخل الائتلاف ومؤسساته المختلفة. والحقيقة أن مثل هذه الممارسة يجب أن تكون محوراً من محاور التفكير السياسي للائتلاف لأن هناك تقدماً ملحوظاً في طريقة تفكير القوى المذكورة عسكرياً وسياسياً، فضلاً عن التقدم في دورها العملياتي. وقد ضربنا مثالاً على هذا الواقع الجديد عند الحديث عن الجبهة الإسلامية في المقال السابق. ويأتي موقف الجبهة الجديد والعلني من تنظيم (داعش)، خاصةً بعد مقتل الطبيب حسين سليمان ليصب في خانة تعزيز دورها في الساحة السورية، وهو ما يبدو أن القوى الدولية أدركته من استقراء مواقفها المُعلنة. ومع تقاطع مواقف الجبهة بشكلٍ متزايد مع مواقف القوى الإقليمية والدولية حول هذا التنظيم وفكره بشكلٍ عام، تُصبح تلك المواقف الإقليمية والدولية مفهومةً وقابلةً للتطور من الجهتين، خاصةً مع ازدياد جرعة (الواقعية) لكلا الطرفين، ولو من زوايا رؤية مختلفة. من هنا تأتي الحاجة لنقلةٍ في عمل الائتلاف ربما تصل إلى حد الانقلاب على طريقة عمله منذ إنشائه إلى يومنا الراهن. وإذا صحت الأنباء عن إمكانية ترشيح الدكتور رياض حجاب لرئاسة الائتلاف، فقد تكون هذه (ضربة معلم) على كثيرٍ من المستويات. فمن ناحية، تبدو علاقات الرجل مع القوى الإقليمية والدولية جيدة. ومن ناحية ثانية، يبدو مؤكداً أن علاقاته جيدة بالداخل السوري وقواه المختلفة. إضافةً إلى هذا، يمثل وجوده في مثل هذا الموقع رمزياً عملية استمرارية الدولة السورية وفصل هذه الاستمرارية عن مسألة إسقاط النظام بكل رموزه وأركانه. وأخيراً، فإن وجوده في هذا الموقع قد يكون حلاً لمسألة الاستقطاب الداخلي في الائتلاف، وهي مسألةٌ لاتزال سائدةً حتى الآن. وعلى عكس مايعتقده البعض، ربما يكون وجود الرجل في هذا الموقع ورقة قوية للائتلاف في حال تقرر أن مؤتمر جنيف2 يمكن أن يُسفر عن نتائج إيجابية في مصلحة الثورة. إذ لايُشترط بالضرورة أن يكون هو رئيس الوفد المفاوض، بل يكون الرئيس شخصاً آخر من المحبذ أن يكون من المعارضة في الداخل. وهذه ممارسةٌ لها دلالات رمزية وسياسية عملية، ويمكن لها أن ترفع سقف شروط المعارضة وتقوي أوراقها التفاوضية. كل هذا إذا انعقد المؤتمر أصلاً، لأن الشكوك في ذلك لاتزال قويةً لأسباب كثيرة. خلاصة الموضوع أن الائتلاف بحاجة لانتفاضة سياسية وتنظيمية تُعطيه القدرة على تحريك المسار السياسي الراكد، وعلى القيام بمبادرات تضعه في موقع صانع الحدث، وعلى إحداث اختراق سياسي وعسكري ملحوظ. وبغير هذا، لايمكن لجنيف ولا لغيرها أن تكون مفارق طريق إيجابية على طريق تحقيق أهداف الثورة. وقد تكون اجتماعات الهيئة العامة للائتلاف الفرصة الأخيرة لتأمين ذلك الاختراق. waelmerza@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (80) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain