×
محافظة المنطقة الشرقية

المملكة تطلب من رعاياها المقيمين والزائرين بلبنان المغادرة

صورة الخبر

قال لي ناصحا، وبلغة راقية مهذبة، وأنا في العادة أحترم آراءه وكلماته: لماذا لا تؤجلون اختلافاتكم وتهبطون بمؤشر صراعاتكم الثقافية والفكرية تقديرا للظروف الحرجة التي يمر بها الوطن والمجتمع؟ قلت له فورا: وهل قرأت فيما أكتب شيئا يزيد من تأجيج هذا الصراع أو يشرخ هذه اللحمة الوطنية؟ وجوابه الذي أشكره عليه من الأعماق: لا... أبدا، ولكنك كاتب نافذ وتتمتع بقبول واسع لدى شرائح زملائك الكتاب، وبالإمكان أن تكتب لهم رسالة اعتدال تدعوهم فيها إلى مثل هذه الفكرة. والخلاصة أنني، مثل الآلاف من غيري، قد استمعت طويلا وكثيرا إلى مثل هذه النصائح التي تدعو للهدنة والتهدئة احتراما لطبيعة المرحلة. لكنها وللحق، نصيحة "طوباوية" براغماتية. فكرة خلاقة وأخلاقية ولكنها غير قابلة للتطبيق لأن كتلة "الإنتلجنسيا" الضخمة لا تعمل بضغطة مفتاح كهربائي على طريقة الـ"on / off". يقال مثلا إن عدد كتاب السعودية عام 1970 لم يكن يتجاوز العشرة ويومها كان بالإمكان مناصحتهم في عشر دقائق عبر جهاز البدال الهاتفي. اليوم نحن أمام آلاف الكتاب والمدونين والمغردين الذين سيحولون حتى فكرة هذه "النصيحة" إلى قضية اختلاف جدلي يسير به الرأي العام. ثم تعالوا معي إلى ما هو أهم في جملة الفكرة أو النصيحة وبالتحديد في كلمتي "طبيعة المرحلة". فلو أننا مع كل أزمة مجتمعية نمر بها توقفنا عن الاختلاف والنقاش لما ناقشنا قضية وطنية منذ أربعين سنة. كنت طالب ثانوية أيام قصة جهيمان، وتخيلوا لو أن هذه النصيحة ولدت في ذلك الزمن. بعدها جاءت حروب الخليج الاثنتان وفتنة مذكرة النصيحة وعلى التوالي أحداث سبتمبر وموجات الإرهاب المتلاحقة، ومن ثم ما نعيشه اليوم من إفرازات الخريف العربي وثوراته الصدمية. ولو أننا توقفنا عن النقاش والاختلاف حول الأفكار مع كل حدث فيما سبق فهذا يعني بالمقاربة والمقارنة ألا نستورد الأقلام والأوراق ولا تطبيقات وسائط الاتصال لمئة سنة قادمة، لأنها سنوات حبلى بأضعاف ما كان وما خلا من المصائب والكوارث، ولعله لهذا قلت إنها نصيحة طوباوية براغماتية. هذا هو قدرنا التاريخي تحت ضغط واقعنا الجغرافي. نحن نعيش في منطقة ذات تركيب فسيفسائي بالغ الدهشة. منطقة تعج بالاختلاف الصارخ في مكوناتها الإثنية والعرقية والمذهبية، وكل فصيل واحد متجانس من هذه المكونات ينقسم وببراهين التاريخ، إلى فصيلين، والاثنين إلى أربعة. وهكذا هي طبيعة المجتمعات "الخديجة": تحتاج إلى مئات السنين كي تستفيد من تجاربها المؤلمة وحروبها الطاحنة، وللأسف الشديد ما زلنا في بداية المشوار ولم نتجاوز نصف القرن الأول من زمن قرون عدة قادمة حتى نستوعب ونرتفع فوق اختلافاتنا الصارخة.