حملت المملكة على عاتقها هموم جيرانها وأشقائها. كانت ولا تزال النخلة التي يستفيء بخيرها وعطائها الجميع. ولبنان كانت في صدارة الاهتمام السعودي. وهي التي جمعت كل الأطياف، وأسفرت مخرجات الطائف، عن إنهاء حالة الاحتراب التي كانت مستحكمة بين أبناء الوطن اللبناني الواحد. واستمرت المملكة تدعم جهود إنماء وإعمار لبنان، ورأب الصدع بين كل الأطياف. كان هذا ولا يزال سلوك المملكة تجاه لبنان. ولم يكن من المتوقع أن تأخذ لبنان مواقف مخيبة، كما ظهر في القمتين العربية والإسلامية تجاه استهداف السفارة السعودية في إيران، هذا العمل الذي أدانته الأمم المتحدة والدول الصديقة والشقيقة كافة، أرادت الخارجية اللبنانية أن تجعله شأنا خاضعا للحياد. في الحقيقة، لم يكن موقف الخارجية اللبنانية يعكس حيادا، بقدر ما أكد أن بعض من في الحكومة اللبنانية ينحازون للتوجهات الإيرانية ويجاملونها على حساب العلاقات العربية. لم تكن تلك السقطة الأولى، ولكنها كانت الأكثر غرابة، إذ إن السعودية خبرت تطاول أبواق حزب الله، وكان هناك استمزاج لاعتبار أن هذه التجاوزات لا تمثل الرأي الرسمي اللبناني، أما وقد ظهرت المواقف الرسمية وهي تزعم الحياد في قضية لا تقبل الحياد، فكان لا بد من مراجعة، يحفز عليها المنطق والعقل وحتى المزاج العام لأطياف المجتمع الذين اعتبروا أن خطيئة الخارجية اللبنانية والتجاوزات السابقة لها تتطلب موقفا جادا، إذ ما حاجة المملكة ودول الخليج العربي إلى بلد أصبح منبرا يتم من خلاله تصفية الحسابات الإيرانية مع هذه الدول؟! والمفارقة التي سبق أن لمسها الزميل جميل الذيابي في أكثر من مقالة عبر “الحياة” ومن بعدها “عكاظ”، أن السعودية ودول الخليج العربي كانت ولا تزال الحاضنة الكبرى لأبناء لبنان، ولم يكن مطلوبا من خارجية لبنان سوى مراعاة مصالح مواطنيها، وهذا ما عبرت عنه الأصوات العاقلة والمتزنة في لبنان، إذ ارتأوا أن تجاوزات الخارجية اللبنانية أصبحت تهدد مصالح الدولة اللبنانية وشعبها. ولا يشذ عن هذا الطرح سوى صنائع إيران في لبنان. لعل هذا البلد الذي ازدهرت علاقته مع الخليج العربي طوال الأعوام الماضية، يعيد مراجعة أولويات علاقاته، قبل أن تجرفه التيارات نحو مصير يزداد ضيقا، ووقتها لن تستطيع إيران ولا سواها أن تقف معهم. إن إيران تريد أن تستخدم لبنان قنطرة ومنصة لتحقيق أغراض ليست بالضرورة في صالح لبنان واللبنانيين. ويدرك هذه الحقيقة نخب كثيرة هناك، ولكن سلبيتهم أوصلت البلد إلى نقطة جعلت وزارة الخارجية ووزيرها هناك يغردون خارج سرب المصالح اللبنانية والعربية.