كشفت السلطات المصرفية الألمانية أخيراً عن المرحلة التي وصلت إليها عملية نقل سبائك الذهب العائدة إليها من البنك المركزي الفرنسي والاحتياط الفيديرالي الأميركي، إلى خزائن «المركزي» الألماني في فرانكفورت في شكل آمن، تبعاً للبرنامج السري الذي وضعته السلطات الأمنية في ألمانيا. وكان مسؤولون ومواطنون ألمان طرحوا أسئلة على مدى السنوات الماضية، حول الأسباب الداعية إلى إبقاء القسم الأكبر من ذهب الدولة خارجها، ولعقود طويلة بعد انتفاء الأسباب الموجبة لذلك. ويبلغ عدد القطع الذهبية التي تملكها ألمانيا حالياً في الداخل والخارج 277 ألف سبيكة بوزن إجمالي يبلغ 3384 طناً. وبدأ البنك المركزي الألماني في فرانكفورت عملية نقل السبائك من واشنطن وباريس إليه مطلع عام 2013. وفي انتظار إنجاز نقل 674 طناً منها حتى عام 2020، يأمل البنك الانتهاء من عملية نقل نصف الكمية الإجمالية أي 1692 طناً. وكانت السلطات الألمانية التي نشأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وسقوط النظام النازي فيها، وبدء مرحلة الحرب الباردة في أوروبا، عملت على نقل ما تملكه من ذهب من ألمانيا خشية وقوعه في يد الجيش السوفياتي. وخلال سنوات «الأعجوبة الاقتصادية» التي شهدتها ألمانيا في خمسينات القرن الماضي وستيناته وتعاظم صادراتها إلى الخارج، لجأت الحكومات الألمانية إلى شراء مزيد من الذهب من الولايات المتحدة بعائداتها من الدولار، لتضيفه إلى ما هو موجود لديها. وقررت الحكومات الألمانية المتعاقبة في ذلك الحين الاستغناء عن جلب الذهب إليها المخزّن في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، خوفاً عليه من التوترات الناتجة عن الحرب الباردة التي كانت تقسم أوروبا إلى معسكرين، غربي بقيادة الولايات المتحدة، وشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي، وتقسيم ألمانيا ذاتها إلى دولتين. وعلى خلفية الأسئلة التي طُرحت بعد الوحدة الألمانية حول مصير ذهب ألمانيا والموجود في الدول الثلاث، قررت الحكومة الألمانية عام 2012 وضع خطة لاستعادة قسم مهم من هذه الكمية التي يحتل حجمها اليوم المرتبة الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة. وفي وقت تقوم السلطات الألمانية المعنية بالمهمة هذه وسط سرية تامة، قررت ترك قسم كبير من ذهبها في الولايات المتحدة (1500 طن) وفي بريطانيا (435 طناً)، بهدف تسهيل التعامل المالي معهما بالدولار والجنيه الاسترليني. وفي ما يخص السبائك الذهبية الموجودة في فرنسا، تقرر نقل كل ما هو موجود في البنك المركزي الفرنسي إلى فرانكفورت بعد انتفاء القصد من بقائه، ولتعامل البلدين منذ العام 2000 بعملة اليورو المشتركة. وأكد عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي كارل لودفيغ تيله، أن عملية النقل السرية «تتم تبعاً للمخطط الموضوع لها». وأشار إلى أن «كمية الذهب التي كانت في حوزة ألمانيا الاتحادية بعد الوحدة الألمانية عام 1990 لم تتجاوز 77 طناً ما يعادل 2 في المئة فقط من مجموع الكمية الحالية». وقال: «معروف أن كل دولة في العالم تسعى إلى امتلاك كميات من الذهب كاحتياطٍ استراتيجي، تبيعه في الأوقات المالية الصعبة التي قد تواجهها». وعن القيمة الإجمالية للذهب الألماني، ليس صعباً تحديد سعر ثابت ونهائي بفعل ارتفاع قيمته وهبوطها في الأسواق المالية وفق الأوضاع الاقتصادية المتغيرة في العالم وفي البلد المعني. ويمكن القول إن القيمة الفعلية لما تملكه ألمانيا من ذهب يعادل حالياً 109 بلايين يورو. وفي حين انخفضت قيمته عام 1997 إلى 25 بليوناً، وصلت إلى 137 بليوناً عام 2012، وهو رقم قياسي بامتياز. ويتناقص وزن الذهب الألماني سنوياً بضعة أطنان كما هو الأمر في دول أخرى أيضاً، حتى ولو لم يبع منه شيئاً، بفعل لجوء هذه المصارف مثل المصرف المركزي الألماني في فرانكفورت إلى بيع كميات منه سنوياً لوزارة المال، التي تحولها إلى نقود ذهبية محفور عليها لبيعها في مناسبات مختلفة أو لاستخدامها في أمور أخرى. ولهذه الغاية تناقص احتياط الذهب الألماني بمقدار 2930 كيلوغراماً عام 2014.