في عزلة الكتب.. كان هناك يؤثث صمته الطويل الذي يضج بالأسئلة حول الوجود، هناك كان يجرب أن يقول كل شيء عبر طيات الأوراق.. يتأمل، ينحت ويرسم بعيدا عن خطوات القطيع الذي كان يسير في تتابع طويل نحو البعثرة، فيما بقي يحدق في الصورة المعلقة على حائط "الوقت" يرى فيها الاشتهاء الحقيقي لحياة بعيدة عن الرتابة، بعيدة عن السأم، قريبة من الدهشة حتى إن كانت تلك الدهشة تعصف به لترميه نحو الهزات العنيفة في الحياة.. ففي كل مرة يفعل ذلك وهو يبتسم.. لا يخاف ارتفاع الأصوات فوق صوته، ففي نهاية الأزمة.. سيكون بخير.. وسيكتب كلما استطاع أن يصوغ صباحاته قريبا من السكوت الذي يتبعه شيئا ما سيقوله.. سيقوله مهما كان ثمن ذلك.. حتى إن ثار عليه الغبار في منتصف الطريق.. يرتدي "حكاياته الكاملة" ليأتي لنا بما يمكن أن يجعل منه "الرجل الأخضر" الذي يتقن رسم الحياة بلون البياض حتى يصنع مادة الخام التي تسرق اهتمامه وفضوله كلما حدق فيها طويلا... ليكتشف بأن مصيره بأن يعيش كل الصدمات ولكن بكرامة... رجل.. لا يشبع من مخالفة الناس ليس لشيء! سوى أنه رجل معلق قلبه مع الناس وليس مع "الجماعة التي لاعقل" لها... يفعل ذلك ثم يقول لي "لا أعرف عن ماذا تتحدثين.. أي طفولة.. لم أعش ذلك الشعور أبدا ولم أجربه". كل الخسائر تهون أمام متطلبات الكرامة وحق الاختيار الحر الكاتب "إبراهيم البليهي" يأتي ليعبر "المكشوف" أدعوه لملاقاتي كما خبرناه بكل تلك العقلانية المطلقة ولكنه هنا.. يخلع عنه "الأشياء المعتادة" ليقول لي "منذ تقاعدت وأنا في العزلة.. ولكنها عزلة الكتب التي أعشقها... يطلب مني أن أنظر إليه جيدا ثم يشير إلى "إبراهيم" الذي بداخله والذي يعرفه يجيدا ليقول لي "لم أعش يوما بنصف الألم فالحكاية الكاملة دائما هي مصيري.. ولكني أحسم قراراتي دائما.. فالوجع الصادم يغريني جدا حتى إن كان فيه هزات عنيفة، فذلك هو التحول الكبير في الحياة"... هنا "إبراهيم البليهي" يستعد ليسير في طريق المكشوف وهو يعلم بأن في كل طريق هناك من يؤذينا حتى إن لم نؤذه فذلك هو الواقع الصادم.. ولكنه برغم كل ذلك يعيش الحب القادر على تغير حياته والذي يعلم بأنه ليس هناك شيء أمام "الحب" يبقى على حاله، فالأشياء تتغير بعده عن قبله.. إبراهيم البليهي.. هنا.. يبوح، يدس يديه في الذاكرة القديمة، يتألم، ويحب ثم يصمت... ليذرف الدموع الأخيرة على المرأة التي حبها فوق كل القوانين والحواجز.. إنه الحب الذي لا يشبهه أي حب لامرأة أخرى. ضجيج للكلام * نصمت لأن في الكلام ضجيجا عاليا يسد علينا المنافذ.. نصمت لأن تلك الأيام أخذت منا وتركتنا مع الذاكرة بأحزان وأوجاع كم تكلمت عنا طويلا.. نصمت لأن في ذلك شفاء من الألم.. أيمكن أن نقابل كل ذلك القدر من الماضي بآلامه وأحزانه وأوجاعه بالصمت لأننا أدركنا أخيرا بأن في الكلام إهانة للتجربة..؟ ماهي اللحظة التي اشتهيت فيها أن تتكلم عن أوجاعك ولكن الصمت سبقك؟ - نَصْمُتُ حين ندرك أنه لا جدوى من الكلام بعد أن نتأكد من أن العقول موصدة والعواطف مكفهرة والآذان لا تسمع إلا ما تريد أن تسمعه.. إننا نصمت حين يتضح لنا أن الجميع منشغلون بما لا يستحق الانشغال بالنسبة لنا فيكون الصمت أبلغ احتجاج على تفاهة موضوعات النقاش فليس أقسى من أن تكون مضطرًا بأن تسمع نقاشات حامية حول موضوعات هامشية بينما يجري إهمال أو تنحية أو تناسي القضايا الكبرى الملحَّة... إننا نصمت حين يغمرنا الإحساس باللاجدوى وبأن كل التجارب الناضجة وكل الرؤى الممحصة وكل الاستقصاءات الدقيقة لا تجد من يرغب في أن يسمعها ولا من يود أن يتعرَّف عليها فيكون الصمت هو السلوك اللائق من أجل صيانة التجربة من الإهانة الموجعة. الصمت لغةٌ بليغة لكن ما أندر الذين يدركون هذه اللغة وما أقل الذين يفهمون بلاغة الصمت المتأجِّج في الأعماق لقد اعتاد الناس أن يتسابقوا إلى الكلام فالصمت خَرْقٌ لهذه العادة المستحكمة لذلك يبقى المضمون العميق للصمت محجوبًا عن هؤلاء المتسابقين على الكلام... إن الأصل في الإنسان أنه كائنٌ متكلم إنه بطبيعته مندفعٌ تلقائيًّا للإفصاح فالإنسان مهما كان حظه من العلم ضئيلاً يشعر بأهمية آرائه وبأن لديه الكثير الذي على الناس أن يسمعوه وأن يستجيبوا له فالصمت لا يأتي إلا بعد تجربة طويلة زاخرة بالمعاناة ومكابدة كلام الآخرين ومعاناته مع عدم جدوى كلامه فالصراع هو صراع إرادات ورغبات وليس انتظارًا لحقائق أو معلومات ومن هنا يكون الصمت أليق بمن يحترم الحقيقة ويحترم نفسه... الصمت أمام العقول الموصدة حماية لنا من الإهانات الموجعة إن الصمت حين يشتد الضجيج هو إحدى نتائج النضج إنه ثمرة ناضجة لتجربة زاخرة بالألم والمكابدة فهو لا يأتي إلا متأخرًا إنه نتاج التجربة العميقة مع الحياة والأحياء فالإنسان في الأصل متكلمٌ فلا يكتشف أهمية الصمت إلا متأخرًّا إنه يلجأ إلى الصمت حين تصير الجدوى من الكلام معدومة ويصبح الصمت أبلغ من الكلام الذي يضيع وسط الضوضاء والتسابق للكلام. الحكاية الكاملة * تأتي الحياة بهزات تقسمنا إلى أنصاف حكاية.. أنصاف ألم.. وأنصاف قرار.. أتحب الهزات التي منها تتغير وتتغير هي معك؟ أي الهزات الحياتية التي عشتها وكنت فيها بنصف قرار؟ - لولا الهزات لما حَصَل هذا التقدم الحضاري والإنساني الهائل الذي نشهده.. فالهزات هي مصدر الفاعلية الإنسانية إن الهزات تعني الحركة وتعني التغيُّر وتعني تجاوز الراهن لذلك أجد أن الهزات هي غربال الحياة ومحرِّك الفاعلية إنها الثمن الذي ندفعه لكي نكتشف حقائق الأوضاع والتصورات إن الهزات هي التعشيق الذي يزيح الرتابة فينجلي المشهد عن الخواء ويدفع نحو ما هو عظيم وباهر ويستحق العناء لذلك لا أحفل إلا بما هو حادٌّ وقوي وصادم إنني أستبعد التردد وأحسم الأمر من أوله فلا أعيش بنصف ألم أو بنصف قرار أو بنصف حكاية.. فالحكاية عندي دائمًا كلية الوجود أو لاشيء.. والألم يأتي صادمًا وقويًّا وإلا فلن أهتم به. إنني لا أعرف التردد في اتخاذ القرارات وإنما يأتي القرار حاسمًا إيجابًا أو سلبًا إلا إذا تعلَّق القرار بآخرين قد يؤدي القرار إلى انكسارهم فالنزعة الإنسانية هنا تغلبني فأبقى مرتَهَنًا بالحرص على توقِّي الإضرار بأحد. أما عمومًا فإني أحب الحياة الجياشة وأكره الجمود ولا أطيق التردد وأعشق التغيير نحو الأجمل والأكمل ولكنني حين أعيش وسط الرتابة المملة فإنني أهرع نحو الكتب التي تتحدث عن الفاعلية الإنسانية لأعيش الجيشان وأشهد التغيُّر وأجرب الفاعلية.. إن الإنسان العربي الذي يعشق التقدم الإنساني ويحلم به يجد المتعة في مشاهدة ذلك الجيشان المنتج ليس في الواقع العربي الكليل العليل وإنما يجده في المجتمعات التي حققت الازدهار فصارت متعتنا نحن العرب لا أن نشارك في ذلك الجيشان الخلاق وإنما نكتفي بالتفرج والمشاهدة والتمني ومعايشة الحلم الذي يزداد ابتعادًا. الكتابة بالأبيض * كتبت (الرسم تجسيد للجمال والمسرح تجسيد للأفكار وهما معا من أشد الوسائل فعالية في التثقيف والتنوير) وماذا عنك حينما تحب أن ترسم رؤيتك الوجودية أي الألوان التي تختارها لتصنع منها تحفة الجمال الخاصة بك؟ حينما تحب أن تتفرج على مسرحية حياتية من تلك المسرحيات التي يجيدها البشر في يومياتهم أي مقعد تختاره لتراقب المشهد منه؟ المسرح الإنساني مازال يعج بالجهل المركب وبالعنف والبؤس وسوء الفهم وتوهُّم امتلاك الحقيقة لذلك أختار أن أغوص بين الكتب لأحاور القلة المبدعة من كل الأجناس ومن جميع الأمم وبهذه الرفقة المجيدة أُحَلِّق عن رعونة الضوضاء المقيتة فأعيش الحياة أملاً ناصع البياض مشرق الوجه فالإنسانية الحالية ما هي إلا بروفة لما سوف تصير إليه الإنسانية في المستقبل. أما عن رؤيتي للوجود فقد رسمتها بوضوح وحرارة سواء على المستوى العملي في الإدارة حين كنت مسؤولاً أو على المستوى الفكري حيث أواصل الكتابة إنني أعشق جمال الفكر وأطرب لروعة الأداء وأحرص بأن أضع بصمة واضحة في أي مكان حللت فيه حيث يسرني دائمًا أن أجد الفراغ لأملأه بنفسي وأن أجد اللون الأبيض لأكتب فيه أفكاري وأحلامي وآمالي وأن أجد المادة الخام التي لم يشكلها الآخرون لأقوم بتشكيلها فأرسم الصورة التي أتمناها... في سنوات مضتْ أطلقوا عليَّ اسم (الرجل الأخضر) لأنني بذلت أقصى طاقتي من أجل أن تكتسي المدن بالاخضرار البهيج لكنهم خَلَفوني في ذلك الغطاء الأخضر الجميل فاجتثوه لأن النفوس المتصحِّرة لا تأنس إلا بالتصحُّر. لم أعرف عبث الطفولة ولا لهو الفراغ ولا قطف المسرات فالمسؤولية المبكرة سرقتني الكرامة * يلزمنا أحيانا أن نختار خساراتنا لأن في الخسران انتصارًا للذات.. نخسر ونتألم ولكننا في كل خسارة نلوح لها بالابتسامة والقبل.. أي الخسارات التي خرجت منها منتصرًا؟ كم ابتسامة خبأتها بعد أن غلبتك دموع الوجع من خسارة لا تعوض؟ مع تقدم العمر يكتشف الإنسان طوفان حماقات البشر وتفاهة اهتماماتهم فيعتاد أن لا يأبه بالخسران معهم فبمقدار معرفة الطبيعة البشرية يتضاءل الاهتمام بما يقول الناس أو ما يفعلون إن الإنسان ينشأ وهو يظن أن الناس أخيارٌ وأنهم يحرصون على العدل ويهتمون بالإنصاف ثم يكتشف فظاعات الواقع البشري وأن الحياة صراعات شرسة فيصبح مستعدًّا لأن يتلقى الصدمات ويرضى بالسلامة بدلاً من الغنيمة فيعيش وهو يتوقى الشرور من آخرين لم يؤذهم ولكنهم يصرون على إيذائه وبهذا الاكتشاف تصير الخسارة مع الآخرين حالة طبيعية فيتعامل مع شرور الناس مثل تعامله مع العواصف الطبيعية إنه يتقيها بالابتعاد عن مسارها وليس بمحاولة صدها فالناس لا يحركهم المنطق وإنما تحركهم الأهواء فلا مجال لإقناع المخالف إلا بتغيير أهوائه... إن معيار الربح والخسارة عندي هي الكرامة.. فكرامة الإنسان هي الأحق بالرعاية والاهتمام.. وحريته هي جوهر وجوده وهي عنوان إنسانيته فكل الخسائر تهون أمام متطلبات الكرامة وحق الاختيار الحر.. إن إنسانية الإنسان تُنتقَص بمقدار انتقاص كرامته فإذا عوفيتْ الكرامة بقي الفرد رابحًا مهما كانت الخسائر الأخرى فلا شيء يعوِّض عن خدش الكرامة.. فعلينا أن نبتسم ابتسامة المنتصر الواثق كلما انجلتْ المنغصات عن فوات فرصة مادامت قد أسفرت عن بقاء الإنسان مرفوع الرأس غير مستسلم للإهانة ولا مستجيب للانحدار الأخلاقي والتراشق البذيء. الصعود * كتب علي حرب (نتناقض مع الحقيقة عندما نعتقد بوجود حقيقة لا تخلو من التناقض ونقترب من مفهومها عندما نعتقد أن الحقيقة أقل حقيقة مما ينبغي) قل لي الحقيقة من هو إبراهيم البليهي متى تتناقض معه ومتى وضعت أصبعك في صدره وقلت له (هذا هو الجزء غير الحقيقي فيك يا إبراهيم)؟ إنني صريحٌ مع نفسي كصراحتي مع الناس لذلك فأنا أقف مع نفسي كل لحظة لأرى ماذا فعلتْ وماذا عليها أن تفعل لقد توصَّلْتُ إلى أن الإنسان كائنٌ تلقائي وأنه يميل إلى الانحدار كلما غفل عن الصعود لذلك فإني استنفر وعيي كلما مال إلى التلقائية البليدة. الطفولة * كلما مررت على قرى متفرقة تسرقني اللحظة إلى قرية كنت فيها طفلة أصعد على الشجر لألتقط النجوم بيدي وأدسها بجيوبي وأنزل بعد أن أكون تركت هناك في الأفق أحلامي.. قريتي هي عشقي وماذا عنك؟ أي رائحة مازالت عالقة بقلبك كلما تذكرت محافظة الشماسية في منطقة القصيم أيمكن أن يكون للأماكن التي تتلقفنا صغارا تأثير على مانشعر ونكبر به؟ الذين في مثل عمري تختلف نظرتهم إلى قراهم عمن هم في مثل عمرك فلم أعرف عبث الطفولة ولا لهو الفراغ ولا قطف المسرات ولا أعرف شيئًا عما يقال عن سعادة الطفولة لقد دخلتُ المسؤولية مبكرًا وعايشت الأرق الممض منذ أيام مبكرة جدًّا من حياتي لذلك أعجب كل العجب حين أسمع ما يقال عن سعادة مرحلة الطفولة. متأخراً نكتشف أن الحياة صراعات شرسة وصدمات دائمة ثقافة القطيع * كتبت (إذا رأيت الناس تندفع تلقائيا في أي اتجاه فابتعد عن التيار فالجمهور لاعقل له) أنت لا تشبع من مخالفة الناس لماذا؟ تحب كثيرا أن تتأمل بعقلك ولكن ماذا عن قلبك أين تخبئه ومتى تلتقي به؟ إن عقلي وقلبي متآلفان ومتفقان على أن الجمهور لاعقل له.. إن فاعلية العقل تتضاءل بمقدار اندماج الفرد في المجموع.. إن الأفراد يذوبون في الطوفان ويضيعون في القطيع ويبقون غافلين عن هذا الذوبان وهذا الضياع.. إنني أحب الخير للجميع وأتمنى لهم الاستنارة لكنني لا أثق في الاندفاعات الجماعية العمياء لذلك كتبت كثيرًا عن (النزعة الفردية) محاولاً أن أوقظ الناس لكي يستعيدوا فردياتهم المخطوفة فالإنسان يتبرمج تلقائيًّا بثقافة البيئة فيبقى مغتبطا بهذا التبرمُج ومن النادر أن يفيق من هذه الغبطة البليدة التي تسلبه ذاته. إن قلبي وعقلي مع الناس من أجل ايقاظهم منتظرًا أن يفيقوا من هذا الاستلاب لكنني أرى الابتعاد عن تيارهم الجارف فهم حين يندفعون جماعيًّا فإنهم مثل الطوفان الكاسح المهلك. الهم العام * ما الصوت الذي سكن بداخلك وتحمله معك أينما تذهب؟ أيمكن أن نعيش تفاصيل الحياة كلها ونحن نحمل بداخلنا أشخاصا تسكننا لتكون جزءا منا إلى ذلك القدر من الامتزاج والالتحام؟ إن استغراقي بالهم العام قد ابتلع كل اهتمامي.. فكل طاقتي مستنزَفة في التفكير في معضلات التخلف إن استمرار العجز العربي واستفحال أسباب هذا العجز كلما امتدَّ الزمن يجب أن يستنفر أشد الأذهان بلادة. دخول التاريخ * كتب أمين صالح (اسرد أحلامك كي أفهمك) ماذا ترى حينما تغمض عينيك وما الذي تفعله بك الأحلام؟ أحلم بأن يدخل العرب عصر التنوير الذي دخلته أوروبا منذ قرون ثم دخلته اليابان منذ قرن ونصف ثم تتابع دخول الأمم باستثناء العرب فما زالوا يسيرون في اتجاه مضاد للتنوير لذلك كررت القول بأننا لسنا فقط متخلفين وإنما نحن العرب نسير باتجاه معاكس تمامًا لاتجاه حضارة العصر فنحن حاليا لاندخل التاريخ إلا كمعوقين لمسيرته. الواقع الصادم * حينما نتألم نشعر بالضعف ونظن بأن الاحتواء في الصداقة ووجوه كثيرة نعرفها ولكننا نشعر بنهم شديد إلى شيء ما لدى صديق واحد قد يكون مفقودًا ألديك ذلك الصديق المفقود؟ كم صديق ظننت أنك تعرفه وحينما أدرت ظهرك عنه غدر بك؟ كل إنسان مشغول بنفسه يبحث لها عن موطئ قدم فيجب أن لا ننتظر من الناس أن يهتموا بنا بل علينا أن نعود أنفسنا على التعايش مع هذا الواقع البشري الصادم. الحب والتحول * كتبت غادة السمان (حين يمر الحب بنا لا يعود أي شيء كما كان حتى بعد أن يمضي الحب) أيمكن أن يكون لدينا ما يسمى بالحب؟ وهل الحب حقيقة أم وهم؟ ألديك حب مر قريبا من قلبك ولم يعد أي شيء فيك كما كان؟ الحب هو لب الحياة بل إن الكون كله يقوم على نظام التجاذب والتنافر إن الحب والكره أهم العوامل المحركة للسلوك البشري وحين يكون الحب صادقًا فإنه يكون جارفًا إنه تغييرٌ في اتجاه الحياة فتكون حياة الفرد مختلفة كليا بين ماقبله وما بعده وحتى حين ينتهي تبقى نتائجه مؤثرة طول العمر. إن الناس لو فهموا قيمة الحب لتطورت الحياة إلى مستوى مدهش. اختلاف القيم * ليس هناك أسوأ من حب يربطنا بشخص ما فنعيش اندفاع العاطفة تلك ونتفاعل معها ولكننا حينما نقترب من ذلك المحبوب نكتشف بأن هناك اختلافا قيميا بيننا وبينه كبيرا. أيمكن أن نلتقي بإنسان في الحب حتى حينما نختلف معه في القيم؟ أنحب من يشبهنا أم أن الحب يأتي دون منطق؟ لو أدرك الناس قيمة التنوع وتعلموا التعايش مع الاختلاف بانفتاح ومرونة وتفهُّم لكان ذلك إثراء للحياة وبهجة للنفوس لكن جَهْلنا بالطبيعة البشرية يجعلنا نضيق بمن يختلف عنا ومن هنا يحصل الخصام وتضطرب العلاقات. إن كل فرد يعيش داخل كهفه الشخصي وقد تزيده البيئة انغلاقًا ولو اتجه التعليم إلى حل هذه المعضلة لَفَتَح للحياة الإنسانية آفاقًا مضيئة لكن العالم مشغولٌ بالخصام عن أساسيات الحياة. حب الأم * الأم هي المرأة الأولى في حياة الرجل فإما أن تأتي به من حياة إلى حياة أو أن تسرق منه كل الحياة.. كيف هو شكل الحياة التي أعطتك إياها أمك؟ أيمكن أن يكون في حياة الرجل امرأة بقلب أم؟ حُبُّ الأم ليس مرهونًا بحسابات الربح والخسارة ولا بمعايير النفع والضرر وإنما هو حُبٌّ حيوي إنه من صميم نظام الكون لذلك لا يمكن مقارنة حُب الأم بأي حب آخر. العزلة والناس * ليس هناك أجمل من عزلة ندخلها محملين بمآتمنا لنخرج منها بقلوب مازالت تنبض.. أتدخل العزلة؟ من الذي ينتظرك في عزلتك؟ وماذا تترك فيها بعد أن تخرج؟ رغم حبي العميق للعزلة فإن عملي في البلديات خلال ثلث قرن قد اضطرني بأن أكون خارج العزلة التي أعشقها لذلك دخلتُ العزلة منذ أن تقاعدت فأنا أعيش دائمًا بين الكتب ومع ذلك فإني أحب المرح وأعشق المزاح فإذا اختلطتُ بالناس حاولت أن أجعله اختلاطًا بهيجًا أو اختلاطا مثيرًا بالنقاشات الحادة... الأشياء المتساوية * ما الذي أبكى إبراهيم البليهي يوما؟ وما الذي يخافه بعد طول التجربة؟ - ذرفتُ على أمي دموعًا غزيرة وما كنتُ قبل اليوم للدمع أذرف أما عن الخوف فإن تجربة الحياة الشاقة تقلِّل من قيمة الأشياء فيتساوى الآتي والذاهب فمن يعرف أكثر يقل اهتمامه بأي شيء.. هذا على المستوى الشخصي أما على مستوى الأمة فإني أعيش همًّا ضاغطا تتبدَّد به الآمال وتختنق به الأحلام. بين الخفاء والعلانية * ما السر الذي لم تقله يوما لأحد؟ إنني مكشوف الحياة واضح السيرة أتصرف في العلن كما أتصرف في الخفاء فليس في حياتي أسرار أخفيها فمن يعرفني في العلن هو أيضا يعرفني في الخفاء إنني شديد الوضوح حاد الصراحة لذلك فإن حقيقتي واحدة فإذا اختلفتْ حقيقتي بين شخص وآخر فإن اختلاف الرأي محكومٌ بزاوية الرؤية فأحكام الناس تتلوَّن بحكم تلوُّن معايير التقييم عندهم ثم إن لدى الناس أحكام مسبقة جاهزة مستقرة فهم في الغالب لا يبذلون أي جهد للتحقق.