تعتبر الفنون بكافة أشكالها من أهم المحاور التي تقوم عليها القرية العالمية، بما منحته لأصحاب هذه الفنون من كل الجنسيات والمشارب الثقافية من فرصة لعرض إبداعاتهم اليدوية أمام الملايين من الضيوف من مختلف أنحاء العالم. ومثلت القرية، التي تحتفل في دورة العام الجاري بمرور 20 موسماً على انطلاقتها، متحفاً مفتوحاً، ليس فقط للفنانين لعرض إبداعاتهم، ولكن للضيوف كذلك الذين تتاح لهم الفرصة لمشاهدة طرق تكوين وتشكيل هذه الإبداعات على أياد محترفة هوت الفن وجعلت منه حرفتها المعيشية. إبداعات على خشب الأرز تتنوع الفنون اليدوية التي تستضيفها القرية، غير أن ما يجمع بينها أنها مثلت إضافة مهمة عكست المفهوم الفريد الذي قامت عليه فكرة القرية العالمية التي تجمع العالم بكل جوانبه في مكان واحد. فخارج بوابات جناح لبنان، يستعرض أحمد سكر، الذي شارك في فعاليات القرية على مدى السنوات العشر الماضية، إبداعاته في الحفر على خشب الأرز، وهو العمل اليدوي الذي يجذب أنظار المارين به من ضيوف القرية العالمية، ليتوقفوا للتعرف إلى الطريقة التي يخرج بها أحمد الفن المخبوء في قطع الخشب الصماء. ويقول أحمد: أقوم بحفر أشكال فنية كثيرة على قطع خشب الأرز مختلفة الأحجام، من أسماك وحيوانات وطيور ومناظر طبيعية أو رسوم تعبيرية، غير أن أغلب الضيوف يطلبون حفر أسمائهم أو أسماء من يحبون لإهدائها إليهم. ويضيف أن منحوتاته تتخذ بعد اكتمالها شكل علاقات المفاتيح، أو اللافتات التي يتم وضعها على أبواب المنازل أو الشركات أو على المكاتب للتعريف عن أصحابها مشيراً إلى أن القطعة الصغيرة المنحوتة من خشب الأرز تباع بنحو 35 درهما، فيما يصل سعر أكبر قطعة يعرضها على طاولته الصغيرة إلى 200 درهم. ولا يحتاج أحمد في أداء عمله إضافة إلى طاولته الصغيرة التي يخبئ تحتها مخزونه من خشب الأرز الذي جلبه من موطنه لبنان سوى قيامه بالحرق للحفر على الخشب على حسب طلبات الضيوف، فيما لا تستغرق القطعة الصغيرة منه أكثر من ثلاث دقائق لإنهاء العمل بها. تشكيلات خزفية ومن الحفر على الخشب إلى تشكيل الخزف الذي يتخصص فيه الأخوان المصريان محمد ومحمود الدجلة في ورشتهما الصغيرة عند مدخل جناح مصر في القرية العالمية. ويقول محمود وهو يقوم بتدوير دولاب الخزف بقدمه اليمنى، بينما تنشغل يداه في تشكيل قطعة من الصلصال الرطب بدقة ومهارة: نشارك في القرية العالمية من خلال جناح مصر منذ 3 مواسم، ونصنع أشكالاً خزفية عديدة من المزهريات والأواني والأكواب، ومؤخراً المباخر الإماراتية، والتي يمكن استخدامها سواء للزينة أو في الاستخدامات الاعتيادية. فإلى جانب حرفيته اليدوية، لا يحتاج الأخوان في إبداعاتهما سوى القليل من الطين الأسوانلي، وهو المادة الخام للخزف والذي يحضرانه من مصر، وفرن كهربائي يتم فيه حرق المنحوتات الخزفية بعد تشكيلها لتثبيت شكلها النهائي. ولا تتوقف المتعة عند مشاهدة قطعة من الطين تتحول في حركة دائرية إلى تحفة فنية، بل تزداد عندما يدعو الأخوان مشاهديهما إلى محاولة تجريب تشكيل الخزف، وهي التجرية التي يعشقها ضيوف القرية، ولا يتوقفون عن طلب السماح لهم بتجريب تشكيل الخزف بأنفسهم، وسط إعجاب وأحيانا ضحكات المتابعين الآخرين. وتحتاج القطعة الخزفية إلى أربع مراحل لتكتمل كما يقول محمود، أولاها التصنيع، أي جعل الطين صالحاً للعمل به، ومن ثم النحت على الدولاب ومنح الطين الشكل المطلوب، لتأتي بعد ذلك مرحلة الحرق في الفرن على درجة حرارة تصل إلى 1200 درجة مئوية، وأخيراً التلوين للقطع التي تحتاج إلى تلوين، وتستغرق كل هذه العمليات نحو ثلاثة أيام للقطعة الواحدة، فيما يمكن للضيوف شراء الجاهز من القطع المعروضة للبيع بأسعار رمزية تبدأ من 5 دراهم وحتى 50 درهماً للقطعة. جناح مصر ومن تشكيل الخزف إلى تشكيل الزجاج الذي يتخصص فيه محمود الدهني الذي يتخذ موقعه كذلك في مدخل جناح مصر في القرية العالمية، ويقوم بتحويل الزجاج إلى أشكال متعددة من نباتات وحيوانات مختلفة الأشكال، ويزيد الإقبال عليها ممن يرغبون في إضفاء لمحة فنية على الأجواء التي يعيشون أو يعملون فيها. ويبدأ تشكيل الزجاج كما يقول الدهني بطبخ قطع الزجاج في فرن كهربائي عند درجة حرارة تصل إلى 1500 درجة مئوية وذلك لتطويعه للبدء بالتشكيل، ومن ثم يبدأ الدهني في منح قطعة الزجاج الذائبة الشكل الذي يرغب فيه، قبل جفاف قطعة الزجاج المطبوخة.ويقوم محمود بتمرير أنبوب رفيع إلى داخل زجاجة ومن ثم يبدأ بالكتابة بالصمغ على الجدار الداخلي للزجاجة، قبل أن يبدأ بحرفية عالية في ملء الزجاجة بالقدر المطلوب من الرمال الملونة، إلى أن ينتهي بختم الزجاجة بالصمغ لتثبيت الشكل المطلوب.ويقول محمود الذي يشارك في القرية العالمية للمرة الأولى: يفضل عملاء المنحوتات الزجاجية أشكال التمساح والغزال والأسد، وهي القطع التي تباع بسعر رمزي يصل إلى 10 دراهم للقطعة، وذلك ترويجاً للفنون اليدوية المصرية من خلال الجناح الوطني لمصر، مشيراً إلى أن ضيوف جناح مصر يستمتعون بمشاهدة عملية تشكيل الزجاج أكثر من استمتاعهم باقتنائها. الأطفال والرسم بالرمل ويمثل الأطفال أغلب زبائن الأردني علي الطنطاوي الذي يحترف الرسم بالرمل في مشغله الصغير خارج جناح فلسطين، وغالباً ما يطلب هؤلاء العملاء الصغار كتابة أسمائهم إلى جانب علم بلادهم وبعض الأشكال الطبيعية من الصحراء والخيل والجمال وغيرها من الأشكال المحببة للجميع. ويقول الطنطاوي الذي يشارك في القرية منذ خمسة مواسم، إن الرمال الناعمة التي يعمل بها تأتي من أماكن مختلفة مثل السعودية ومصر والهند، ليتم تنظيفها وتلوينها، تمهيداً لاستخدامها في أعمال فنية مختلفة مثل الرسم بالرمال. وتتراوح قيمة أعمال الطنطاوي بين 30 إلى 200 درهم حسب حجم القطعة التي تستغرق ما بين نصف ساعة إلى ثلاث ساعات من العمل. وخارج جناح أفغانستان، يحترف الأفغاني غلام محمد واحدة من أصعب الحرف الفنية اليدوية، حيث يقوم بدأب وصبر بالحفر على الأواني النحاسية العنيدة، مانحاً إياها الحياة بأبيات شعر أو أمثال شعبية عربية وأفغانية. ويتخذ غلام وضعية القرفصاء أثناء العمل فوق عربة خشبية، منهمكاً في الإمساك بإزميل الحفر في تحد لصلابة النحاس، ليبث الحيوية في قطع الساماور الأفغانية المخصصة لتقديم الماء والشاي والقهوة، ويستعرض غلام حرفيته في الحفر على النحاس فقط من دون عرض أعماله للبيع. ويقول غلام: تحتاج الآنية الصغيرة للعمل 8 ساعات يومياً ولمدة أربعة أيام لإكمالها، ويصل سعر هذه الآنية في أفغانستان إلى نحو 300 درهم.