بيروت: نذير رضا كل شيء في الشارع العريض بمنطقة حارة حريك كان على حاله. السيارات المحترقة، وركام السيارة المفخخة، والأشرطة الصفراء التي تحدد موقع التفجير الذي ضرب الشارع أول من أمس، في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت. رفعت الأدلة الجنائية، كما الأجسام والأشلاء، ولم يرفع الدمار حتى بعد الظهر، حيث لملم سكان الشارع جراحهم، وباشروا رفع الدمار من أمام محالهم التجارية. وأغلق رجال الأمن الشارع من مدخليه الشرقي والغربي، بما يمنع دخول الزائرين. وحدهم الأمنيون من الأجهزة الرسمية اللبنانية وحزب الله، يتجولون في المكان، قبل وصول وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل، الذي حضر متفقدا مسرح الجريمة. وخلافا لزيارته الضاحية الجنوبية عقب تفجير بئر العبد، حيث حاصره شبان يوجدون في المكان، وصل شربل بمرافقة مسؤول الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا. توجه شربل إلى مرتكبي الأعمال التفجيرية في لبنان، بعد جولة قام بها في موقع الانفجار، بالقول: «مهما فعلتم لن يكون هناك فتنة طائفية في لبنان». ودان السفير السعودي لدى لبنان علي عواض عسيري، في بيان «الانفجار الذي تعرضت له منطقة الضاحية الجنوبية»، واصفا إياه بـ«العمل الإجرامي». وأكد أنه «لا مفاضلة بين إرهاب وآخر، وأن أنجع سبيل لمواجهته هو بناء تفاهم وطني لبناني»، متمنيا على «بعض وسائل الإعلام (اللبنانية) عدم تجييش الخواطر والعمل على التهدئة». ووصف شربل التفجير بـ«العمل الإجرامي»، داعيا اللبنانيين إلى التكاتف والتعاون والتضامن لمواجهة هذا المسلسل الإجرامي»، مشددا على «ضرورة انخفاض وتيرة الخطاب السياسي والاحتكام إلى العقل، لأن ذلك يساعدنا في تثبيت الأمن». وقال: «لا يجوز أن نبقى طيلة السنة نستنكر وندين. المطلوب والتفاهم والجلوس معا إلى طاولة حوار برئاسة رئيس الجمهورية. وفي النهاية لا يستطيع أحد أن ينتصر، لأن لبنان هو الخاسر الأكبر، والأبرياء الذين يستشهدون إضافة إلى الدمار والخراب». وبدت منطقة حارة حريك، أمس، مطوقة بالعناصر الأمنية والعوائق الحديدية. تضاعفت الإجراءات التي نفذتها بلدية حارة حريك، وهي قطع طرقات ووضع عوائق، وفصل شوارع رئيسة بعوائق إسمنتية، في حين بدت الشوارع خالية من المارة، نظرا للقلق الأمني الذي يحيط بالسكان. ويطغى مشهد الخراب وآثار الحريق على الأبنية المحيطة بموقع التفجير الذي ضرب الشارع. أقفلت القوى الأمنية الشارع من مدخليه الشرقي والغربي، ريثما تنتهي الأدلة الجنائية من رفع الأدلة. وحدهم رجال الأمن وسكان المباني يدخلون، في حين تولى شبان من المنطقة رفع شعارات ولافتات منددة بالتفجير، ومؤيدة لحزب الله. يزيل علي (26 عاما) الزجاج المحطم من أمام متجر في منطقة حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت آسفا: «هذا البلد لن يترك أحدا منا». فالرجل الذي نجا رفاقه من التفجير، لا يتردد في إعلان مخاوفه من تفجيرات أخرى. «الإرهاب لن يتركنا بحالنا»، يقول متحسرا، ويشير إلى أن الخوف في البلاد «بات سمة يتقاسمها السكان»، لكنه يؤكد أن هذه التفجيرات «لن تغير شيئا في موقفنا السياسي المؤيد لحزب الله». ويجمع السكان على أن خطة الانتشار الأمني التي نفذتها القوى الأمنية الرسمية في الضاحية وعلى مداخلها «لم تمنع دخول السيارات المفخخة». يقول شاب ثلاثيني: «عليهم بملاحقة المجموعات التي تفخخ السيارات في أوكارها، وليس توقيف السيارات التي تدخل بسهولة». على مدخل الشاعر العريض تقف امرأة أمام حاجز حديدي، محاولة الدخول. وتسأل: «نجونا من الانفجارات الثلاثة.. هل ننجو من الرابع؟». وجاءت المرأة لتتفقد منزل ابنها في الشارع العريض، وتقول إن التفجيرات «تسببت لنا بمرض الأعصاب.. لم نعد نحتمل.. لماذا نستهدف؟» ويجيب رجل: «لأننا صمدنا بوجه إسرائيل». ويسري هذا الرأي على نطاق واسع في أوسط جمهور حزب الله. تؤكد اللافتات التي رفعت في المكان هذا التوجه، نظرا لتضمنها تحديا للقاتل. ويعد الشارع الذي وقع فيه التفجير، امتدادا من جهة الجنوب للمربع الأمني التابع لحزب الله ودمرته إسرائيل في عام 2006. وقد وقعت التفجيرات الثلاثة التي ضربت الضاحية منذ شهر يوليو (تموز) الماضي في منطقة دائرية متقاربة، دمرت جميعها في حرب تموز 2006، وأعيد بناؤها. ولم يغير التفجير بالمزاج الشعبي لجمهور الحزب في الضاحية، الذي بدا منسجما إلى حد كبير مع خيارات حزب الله السياسية. يقول أسعد: «لن تردعنا التفجيرات عن تأييد حزب الله، والقناعة بخياراته»، مشيرا إلى أن هذا التفجير «جبان ويدل على جبنهم»، في إشارة إلى المسؤولين عن التفجير. ويبدو هذا الخيار عاما في المنطقة، على الرغم من أن آخرين فضلوا مغادرة البلاد «طالما أن الأزمة مستمرة، ولا أفق لنهاية التفجيرات»، كما يقول أبو كريم الذي اتخذ قرارا بقضاء إجازته في دولة ساحل العاج في غرب أفريقيا إلى جانب أولاده «لنستريح من هذا الخوف والقلق المستمر». وتسببت التفجيرات في الضاحية الجنوبية لبيروت، بنزوح عدد من سكانها إلى خارج الضاحية. فمنذ إعلان حزب الله، رسميا، مشاركته بالقتال في سوريا، وتناقل وسائل الإعلام تهديدات، ارتفع منسوب القلق بين السكان. واهتزت الضاحية خمس مرات بالتفجيرات، منذ 25 مايو (أيار) الماضي، واتهم حزب الله من سماهم «تكفيريين» بالوقوف وراءها.